مشاريع وإنجازات

رفد المشهد الترجمي بأبحاث ودراسات في المجال

وعياً منه بالنقص الفادح الذي تعاني منه المكتبة العربية في المراجع والمؤلفات التي تتناول بالدرس والتحليل نظريات الترجمة وتطبيقاتها، سطّر المعهد خطّةً شاملة تقضي بالإعداد لإصدار مصنّفات عن تعليمية الترجمة وأساليب تدريسها. إلى جانب كتيبات تُعنى بكل ما يتعلق بالترجمة ونظرياتها وتقنياتها والتي من شأنها أن تسهل عمل الطالب والمترجم. كما يحضر المعهد لوضع “معجم المترجم العربي الموحد” متعدد اللغات عن طريق رصد إسهامات المترجمين العرب وتبويبها، سيما إبداعاتهم في توليد المصطلح. وكبادرة فريدة من نوعها وخطوة أولى لتحقيق هذا الغرض، بدأ المعهد في وضع دليل شامل بأسماء المترجمين وأعمالهم في كافة أنحاء الوطن العربي.

كما سينشئ المعهد قريباً، إذ استصدر قراراً من مجلسه الأعلى بهذا الشأن، مخبر بحث يعنى باللغة العربية ووسائل تطويرها والمعالجة الآلية للغات والترجمة والأسلوبيات المقارنة. فالمعهد يعي كامل الوعي أنّ لغتنا هي جوهر الثقافة العربية والتراث الديني والروحي، وهي أساس الإبداع ومرتكزه الرئيسي، وعامل مهم في تطوره على مر التاريخ، فلابد لنا أن نعمل على تعزيز استعمالاتها وتطويرها من خلال الوسائل المتاحة، على أن يتم ذلك ضمن قالب أكاديمي بحثي محكّم تضبطه المعايير العلمية عبر مراحل الافتراضات والتجربة والنتائج. وهذا ما يبرز أهمية استحداث هذا المخبر البحثي ضمن هياكل المعهد العالي العربي للترجمة، تحقيقاً لغرض مهم من الأغراض التي أنشئ من أجلها، ألا هو تطوير البحث في مجال الترجمة واللغات.

وسيكون هذا الجهد البحثي إسهاماً جديدا من المعهد يأتي ليرفد الجهود الأخرى التي يقوم بها الباحثون في جمع موارده اللغة العربية ووصف ظواهرها ووضع النظريات حول بنائها واشتغالها، وتأصيل العلوم التي تعالج مواضيعها.

 ثم إنّ تقدم الدراسات اللسانية، وانتشار الابتكارات العلمية والتقنية، أدى إلى ظهور مجالات علمية جديدة تتداخل فيها الدراسات اللغوية بالدراسات العلمية والتقنية من أجل تطوير اللغة العربية ومعالجتها آليا. وقد حققت اللغات الحية الرئيسة إنجازات وتطبيقات حاسوبية معتبرة، مما ساعد على ابتكار أشكال جديدة للتعامل اللغوي الآلي من خلال اضطلاع الآلة بمهام أكثر تسهل النشاطات اللغوية للعاملين في مجالات الترجمة وتعليم اللغات.

affiche008ولعل الناظر في أدوات الترجمة الآلية من وإلى اللغة العربية المتاحة حالياً يرى مدى قصور لنتائجها. ما يستدعي مزيداً من الدعم والبحث ضمن مخابر أكاديمية كالمخبر الذي يعتزم المعهد إنشاءه، والغرض من ذلك وضع نماذج عربية ملائمة لمعالجتها آلياً، وتحديد الصعوبات ذات الصلة بطبيعة اللغة العربية وخصائصها التي تعيق ذلك، تمهيداً لاقتراح حلول ومقاربات علمية مناسبة من أجل تجاوز تلك الصعوبات والعوائق.

ويعتزم المعهد كذلك إنشاء فرع في المخبر خاص بالترجمة والأسلوبيات المقارنة، وهي النظرية الحقيقية للترجمة التي تقوم على تحليل وتصنيف مُكافِئات الترجمة ضمن تقنيات مقارنة بين الأساليب الخاصة باللغات المتقابلة ضمن العملية الترجمية. والثابت أنّ هذا المجال البحثي يعد أرضاً خصبة بالنسبة للغة العربية، إذ تحتمل الكثير من الجهود والمحاولات لتحقيق نماذج وصفية تقوم على التوليف بين المقتضيات الدلالية والأسلوبية للنصوص بين اللغتين العربية والانجليزية، أو العربية والفرنسية، أو العربية وأي لغة من اللغات الحيّة الأخرى.

وإن المعهد إذ يقترح إنشاء هذا المخبر بالفروع الثلاث التي تعني بـ “اللغة العربية ووسائل تطويرها”، و”المعالجة الآلية للغات” و”الترجمة والأسلوبيات المقارنة”، فإنه يعلق أمالاً عريضة لتحقيق نتائج بناءة ومهمة تثري المجال البحثي والنظري للعمل الترجمي، وتساعد محترفي الترجمة وأساتذتها وطلابها على انجاز ترجمات أفضل وأكثر جودة استناداً إلى نظريات ونماذج أكثر إحكاماً واكتمالاً.

واتساقاً مع كل ما سبق، لم يغفل المعهد أيضاً عن أهمية التعاون في مجالات البحث العلمي والتبادل الأكاديمي مع مراكز البحوث والجامعات والمؤسسات التعليمية، فأبرم في هذا الشأن عدداً من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم مع مجموعة من أفضل الجامعات والمعاهد العربية والأجنبية المختصة في المجال. كما شارك في العديد من الملتقيات والمنتديات عن الترجمة وتأثيرها على المستويين المعرفي والثقافي والتقارب بين الحضارات. فضلا عن مبادراته الذاتية في تنظيم ندوات وملتقيات اقليمية ودولية، مثل ملتقى الجزائر الدولي الأول حول الترجمة الأدبية الذي أقيم في شهر ديسمبر من العام 2008 تحت عنوان “الترجمة والتعايش”، والملتقى الدولي الموسوم:” الترجمة والمجالات ذات الصلة” المنظم شهر ديسمبر 2014.

مشاريع وإنجازات

رفد المشهد الترجمي بإنتاجات في الترجمة

لاشك أنّ المعهد، إذ يلتفت بكثير من الاعتزاز إلى انجازاته المحققة خلال عقد من الزمن،  فإنه يحمل المزيد من الطموحات التي من شأنها أن تدفعه للسير بثبات على درب التطوير المعرفي الذي ينشده للمنطقة بأسرها. فها هو يعكف على إنجاز مشروع مجلة محكّمة تُعنى بمجال الترجمة واللّسانيات، على أن تكون الكترونية في الفترة الأولى، وتنشر إسهامات طلبة المعهد والمهتمين بالترجمة والاختصاصات المتصلة بها. وهو أيضاً بصدد تطوير محطة أو برنامج للترجمة الآلية، وإعداد مشروع لترجمة الأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية إلى اللغة العربية، ومختارات من الأدب العربي إلى اللغتين الانجليزية والفرنسية.

كل هذه المشاريع والانجازات السابقة إنما هي دليل قاطع على الجهود الدؤوبة المبذولة في سبيل تحقيق الأهداف التي أنشئ المعهد من أجلها. أهداف تزداد أهميتها في وقتنا الراهن الذي يفرض علينا إعداد الفرد والإنسان في المجتمعات الإسلامية والعربية على التوازن والاتزان للحفاظ على تراثه من جهة، وتشربّ العلوم التي توصل إليها الغرب من جهة أخرى، ليتمكن من المنافسة والفوز في سباق التقدم والانطلاق نحو المستقبل. وليس أفضل من المؤسسات العلمية والثقافية لتضطلع بهذا الدور. وهو ما يدركه المعهد العالي العربي للترجمة ويعمل من أجل تحقيقه.