التواصل الترجمي بين المشرق و المغرب الأطراس منجز نصّي ( الترجمة: الترجمة المتخصصة و أزمة المصطلح)

د، خديجة جليلي
جامعة الحاج لخضر باتنة
(الجزائر)

مقـدمــــة:

تحدثوا بإلحاح ودون توقف عن زمن الشعر، وزمن المسرح، وكانوا يتحدثون من قبل عن زمن الرواية وربما عن زمن النص المتشعب/ (الإلكتروني) Hypertexte وعن أزمان شتى تتعلق بوسائل المعرفة والتوصيل الفكري، ولكن قلّما من يتحدث عن زمن الإضافات النقدية المغربية إلى المنجز النقدي المشرقي حتى ليمكن الحديث عن وجود أزمة ترجمة المصطلح النقدي بسبب بطء استجابة العالم العربي للمصطلحات الغربية الجديدة خاصة إذا ما تذكرنا السرعة المذهلة لتوالدها، وهذا من شأنه إرباك القارئ العربي، فضلا عن مساهمته في إشاعة أزمة الصراع بين المشرق والمغرب مما يضيع فرصة استفادة البلد العربي الواحد مما أحرزته البلدان العربية الأخرى في مجال النقد الترجمي، في حين – أي النقد الترجمي- قد صار حقلاً معرفياً قائماً بذاته بوصفه عاملاً فعالاً في تلقيح الأفكار وتطويرها وإعادة تشكيلها والاستئثار بالقارئ، ومع ذلك لم يحاول الدارسون – في حدّ علمي- الاقتراب من هذه الوسيلة المعرفية الإبداعية إلا في حدود ضيقة عند عقد الندوات أو إقامة ملتقيات ونادرا في مدرجات الجامعات في شكل بحوث أكاديمية.

هذا التجاهل وعدم تسليط الأضواء حول النقد الترجمي* وأهميته لا يعني بحال إنكار الدور الذي يقدمه في حياتنا العلمية والأدبية تظاهرة تعكس وجهات النظر المتعددة في زوايا ثابتة أو متجددة تتناول المناهج والنظريات النقدية.

ومن هنا تندرج دراستنا الحالية في إطار النقد الترجمي متخذين من إوالية المقارنة بين الترجمة المشرقية للناقد السوري “محمد خير البقاعي” والأخرى المغربية للناقد المغربي “المختار حسني” للصفحات الأولى (من 1 إلى 16) التي تمثل الأساس النظري الذي قام عليه كتاب (الأطراس) (palimpsestes) للناقد الفرنسي “جيرار جنيت Gérard Genette” الصادر عن دار النشر seuil  في (باريس) سنة 1982. ربما تكون الترجمتان من أحدث ما استقبلته ساحة القراءة النقدية العربية في الآونة الأخيرة نحاول من خلالهما رصد بعض مظاهر القلق المصطلحي الذي اعترى الترجمتين المغربية والمشرقية خاصة على مستوى المنظومة المصطلحية الجينيتية المتعاليات النصية (Transcendante textuelle) قصد الاهتداء بها في مقاربة النصوص الإبداعية حتى لا نقع في أزمة بطالة مصطلحية فحسب؛ إذ الإحساس بالأزمة هو في حدّ ذاته وعي بالأهمية التي يمكن أن يشغلها السؤال الثقافي، ونحن في حاجة إلى إعادة طرح أسئلة جديدة على واقع ثقافي متحرّك ومتنامي وجدير بالاهتمام، بالمقابل لا يوجد واقع ثقافي واحد، فهناك أكثر من واقع حسب كلّ بلد وحسب كلّ وتيرة نمو في هذا البلد أو ذاك بين مشرق ومغرب عربي، ولكن إجمالا يمكن أن نجد خصائص مشتركة تبني جسورا بين جغرافيات وعوالم مختلفة، وفي تحديد أكبر: جسرا يصل المشرق بالمغرب، وجسرا يصل الوطن العربي بالعالم.

وعليه فإننا نرى ضرورة تصحيح الأفهام بالوقوف على أبرز المصطلحات الحاملة للمفاهيم الجينيتية ممثلة في مفهوم أنماط المتعاليات النصية. فما هو مصير هذه المصطلحات التي عبرت الحدود الإقليمية في النص الجينيتي، ونصوص الترجمة النقدية المغربية والمشرقية بالتبنّي؟ فكيف يتمّ لها الاستقرار بين ظهرانينا مشرقا ومغربا في ظلّ تشتت الجهود الفردية والمؤسساتية؟ ناهيك عن عدم استقرارها في محضنها الأمّ. وهل يصحّ ونحن في عصر “النت” أن نعيش نعرة قطرية ضيقة، أو مركزية مشرقية و مغربية؟ ألا نشهد مركزية مغربية معكوسة أعادت قراءة مقولة ” الصاحب بن عباد” هذه بضاعتنا ردّت إلينا، هل هي هوامش مغربية تؤسس مركزية جديدة؟ هل يشهد المصطلح النقدي المعاصر ضياعا لانعدام الفعل المعرفي وغرابة المفاهيم المفرغة في مصطلحات غير دقيقة؟

سنقف في هذه الورقة البحثية لنقدم أجوبة ناعمة لأسئلة ناتئة مقلقة، محافظين على مسافة السؤال.