محاولة لتبيان دور الترجمة الاحترافية المتخصصة في التمكين لخدمة نوعية في ترجمة مصطلحات الأعمال الاقتصادية (تتمة)
د.عزي لخضر
جامعة محمد بوضياف (المسيلة)
الجزائر
2-6- أهمية المقاربة في الترجمة الآلية: تكمن المقاربة في فحص عنصري المنظور والأهداف كلما دعت الضرورة العملية إلى ذلك احتراما لخطوط وحدود المعنى:
منظور الترجمة الآلية: يمثل مصطلح الترجمة الآلية machine translation في الوقت الراهن التسمية المعيارية والتقليدية المتفق عليه للتعبير عن مثل هذه النظم الحاسوبية المسئولة عن إنتاج ترجمات النصوص من إحدى اللغات الطبيعية إلى لغات أخرى، سواء كان ذلك بمساعدة الإنسان أم بدونه، وان هذا المصطلح لا يحتوي على أدوات الترجمة الحاسوبية التي تدعم المترجمين: سواء بتزويدهم بإمكانيات الوصول إلى القواميس وقواعد المعطيات الاصطلاحية عن بعد أو إرسال النصوص بالحاسوب واستلامها وقد انتشر المصطلح انتشارا كبيرا في السنوات الأخيرة تبعا لأهمية الأعمال الواجب ترجمتها واعتمادها. ولكن لا يمكن إدراك المفاهيم دون تحديد أهداف الترجمة الآلية، فنظرا لصعوبة استيعاب أعمال الترجمة بل استحالتها بالاكتفاء فقط بالعمل البشري اليدوي؛ فقد توجهت الأنظار مباشرة إلى طلب يد العون والمساعدة من الحاسوب ذي الكفاءة العالية والأداء والسرعة المتميزين والذاكرة القوية، حيث ان الهدف الأساسي في نظر المهتمين بإنتاج نظم الترجمة الآلية قد تبدل منذ حوالي ثلاثة عقود من الزمن منذ إصدار تقريرألباك الذي أعلن عن نهاية المرحلة الرائدة في تاريخ الترجمة الآلية التي امتدت ما بين: (1945-1965) حيث كان الباحثون يتطلعون خلالها إلى الاستغناء عن الإنسان واستبداله في مثل هذا العمل بشكل كامل بالحاسوب، وهو ما يعني بالترجمة التامة الآلية ذات الجودة العالية (full automatic high quality translation، fahqmt): لقد تم اعتماد توجهين رئيسيين في بحوث الترجمة الآلية هما: إعادة دراسة الأسس النظرية التي قامت عليها البحوث السابقة وتمحيصها وكذلك البحث عن تصور آخر لتطبيق هذه الأسس الجديدة بشكل أكثر تنوعا واتساعا لتحقيق النجاح المستدام لهذه الترجمة .3.5- نجاح الترجمة الآلية: ان نجاح الترجمة الآلية آو الترجمة بمساعدة الحاسوب يتم غالبا في ترجمة النصوص العلمية الصرفةPurement والنصوص التقنية Technique لان هذه غالبا ما تكون مصطلحاتها محدودة، فنجد مثلا عدم التمييز بين النقود والعملات -خاصة في عصر العولمة المالية والتجارية- ذلك أن العالم أصبح قرية كونية أنابيبها البنوك ومياهها النقود، والنقود لا تقوم فقط على الجانب التقليدي المعروف بل يتعداه إلى النقود الالكترونية وماذا حدث في ترجمة نقد رقمي أو افتراضي أو الكتروني أو بعدي، وأيهما يتم اختياره وتبنيه، وعلى أي أساس:
(monnaie numériqu، monnaie virtuelle، monnaie électronique).. تتسم المصطلحات في الغالب بصفة الثبات أي أن معانيها لا تتغير وفقا للسياق، ومن هنا يصح القول أن عملية الترجمة تعني ترجمة النص إلى اللغة الهدف أي التعبير عن معاني النص لهذه اللغة المترجم إليها بمعرفة المقابلات المعجمية والنحوية والخطابية المقامية والسياقية وإنتاجها، حيث أن الحاسوب لديه قدرة جزئية في هذا الجانب بلا شك فهو يقدم لنا ما يمكن تقديمه من خلال ذاكرته وتدريبه على فعله، أي كلما كان التحليل اللغوي والقواعد المقدمة للحاسوب والمخزنة في ذاكرته دقيقة؛ فان ذلك سيعكس ترجمة صحيحة نسبيا، لكن لا بد من تحقيق شروط الاحترافية والتزود بالبرمجيات les logiciels مع مراعاة تحيينها كلما حدث تغير في واقع المصطلحات أو الأنشطة، وبلادنا لا تنقصها الهياكل التي استثمرت فيها ورصدت لها مبالغ معتبرة في إطار المخططات التنموية التي باشرتها بعد التحسن التدريجي لأسعار البترول في الأسواق العالمية، ويكفي تتبع نفقات التسيير والتجهيز في هذا المضمار.
7- المترجم المحترف وتقنين المهنة في الجزائر: ايلاء أهمية قصوى لترسيم مهنة ونشاط المترجم المحترف، يعني بالضرورة التركيز على المترجم الذي ينبغي نسبيا أن تتوفر فيه تلك الضرورات الثلاث التي سبقت الإشارة إليها، على أن يتم تقنينها وتنميطها لرسم متجهات العمل ألاحترافي للترجمة المتخصصة. تجدر الإشارة إلى انه يوجد في الجزائر الكثير من المترجمين؛ حتى أولئك الذين واكبوا الحقبة الاستعمارية ومرحلة الاستقلال، نشير أن عددهم بدا يتناقص بسبب التقدم في السن أو الوفاة ويتميزون بمخزونات إستراتيجية ومعرفية (رأس المال الفكري) تبعا للخبرة المكتسبة ميدانيا، مما أهلهم لتبوء مكانة مرموقة في سوق الترجمة رغم تناقضاتها، وكان لهم دور رائد حتى في مرحلة الولوج إلى اقتصاد السوق ومرحلة التحولات الاقتصادية والاجتماعية رغم انه لا تتوفر فيهم الضرورات السابقة، لكن يبدو وان جهود التكوين والرسكلة وكذا النشاطات الميدانية التي ابلوا فيها البلاء الحسن كفلت لهم ذلك وللعصامية دورها هنا؛ إلا أن ذلك لم يحل الإشكالية ولا تزال قائمة إلى يومنا رغم المحاولات الجادة لزيادة تقنين الحرفة، وقد جسد قانون ينظم مهمة المترجم والترجمان الرسمي خلال شهر مارس بموجب الأمر رقم: 95/13 الصادر خلال شهر مارس 1995 في الجريدة الرسمية رقم 17/95.
من بين الأمثلة الميدانية التي تأكدنا منها خلال نقاشاتنا مع باحثين، أن مركب الحجار بعد الشراكة مع الهند وظهور شركة اصبات (I.S .P. A .T) للحديد والصلب، ومع زيادة الطلب على مترجمين متخصصين، كان هناك حقيقة توظيف لمترجمين أكاديميين (على الأقل يحملون شهادة ليسانس في الترجمة)، لكن مقابل ذلك ظهرت ترددات وتحفظات ليس بخصوص المعرفة العلمية والتقنية المكتسبة خلال الدراسة الجامعية في الجزائر، ولكن لجانب الخبرة ودراسة المصطلحات المتخصصة ومن ثم التطبيقات الميدانية، وعليه ظهر البون كبيرا بين الدراسة المدرسية وما يمكن تسميته التطبيق ولو في الإطار غير الرسمي (INFORMEL )، ولهذا الجانب مرجعيته الفكرية والتاريخية والثقافية، ولعل هذا ما يمكن تداركه من خلال النظام الجديد للتكوين العالي المعروف بـ:LICENCE . MASTER. DOCTORAT)) (ليسانس–ماستار–دكتوراة)، وكذلك ما بدا يتجسد من خلال مدرسة الدكتوراة (école doctorale)، بإمكانه الخروج بمهنة المترجم من عنق الزجاجة، هذا ما ستكشفه الأيام؛ إذن الشروط السابقة لم تكن تتوفر في غالبية الجامعيين الموظفين في هذه المؤسسة الصناعية بحكم نقص احترافيتهم. وزاد في تفاقم الوضع تحديات العولمة التي أصبح الاتصال الجماهيري فيها يتم عبر الترجمة وخاصة الاقتصادية منها والتي تخضع لصناعة ضخمة يمكن أن تسمى مجازا الصناعة الثقافية المملوكة من قبل شركات غير وطنية وهي صناعة تسيطر عليها مؤسسات التكنولوجيا المتقدمة ولا نملك منها إلا النزر القليل، فلزيادة احترافية الترجمة والمترجمين وفق التحكم التدريجي في هذه التحديات، لا بد من إعادة إصلاح بعض التراجم أو بإعادة ترجمتها من جديد وفق روح العصر وبمصطلحاته، ولنا في التراث تجارب ناجحة، ومنها ما يرويه الكندي في كتاب الربوبية المنسوب لأرسطو. فقد أصلح الترجمة لتفادي الأخطاء التي وقع فيها التراجمة، وهذا في المعنى والمضمون وكذلك في تصحيح نسبة بعض الكتب إلى غير مؤلفيها وهناك سؤال يطرح: كيف يجب أن نفهم الترجمة في التكتلات الاقتصادية ومنها الاتحاد الأوروبي للتقليص من مخاطر الاتصال الاقتصادي؟ الجزائر من بلدان الضفة المتوسطية الجنوبية ولها من الاتصالات ما يجعلها تتطلع إلى فضاءات مفتوحة لن تتحقق لها إلا بروح المفاوضة الديبلوماسية المدعمة بالترجمة.
8- حقيقة الترجمة في الاتحاد الأوروبي وتأثيراتها المباشرة على الأعمال في الجزائر: يعتبر الاتحاد الأوروبي أحد الشركاء الاقتصاديين المهمين في التعاملات الاقتصادية، خاصة الجوانب التجارية وحركة رؤوس الأموال، ويتجلى ذلك من خلال فحص ميزان المدفوعات الجزائري Balance des paiements Algériens وبقراءة متأنية لبنود هذا الميزان وتحليله من حيث مناطق المبادلات، تتبين لنا هذه الأهمية، مما يطرح مشكلة اللغات الأوروبية الموجودة في هذا الاتحاد وكيف يمكن تحكم مترجمينا-رغم حداثة التجربة- في هذا المجال، لذا فان أهمية الترجمة تزداد يوما بعد الأخر لأجل زيادة تذليل العقبات الاتصالية في هذا المضمار. ظهرت تحديات الترجمة في الجزائر، ابتداء من يوم 01 /09/2005، حيث عرفت البلاد حركية في الاقتصاد الوطني، كون اتفاقية الشراكة قد ولجت من بابها الواسع والمنافسة لا شك وإنها ستكون كبيرة في ظل عولمة الاقتصاد والمنظومة التجارية الجزائرية ومقابل ذلك فان هناك إيجابيات للاقتصاد الجزائري من حيث تدفقات مدخلات الصناعة والزراعة والخدمات خاصة من الناحية التكنولوجية والمعارف التي أصبحت اقتصادا قائما بحد ذاته، والمنافسة ستكون أكثر صعوبة، ولا بد للحكومات من تبني سياسات صناعية لأجل التكيف مع هذه المقتضيات، ولتبيان أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الترجمة بناء على معطيات ومؤشرات إحصائية- نشير إلى: هناك أكثر من 2200 مادة غذائية والية ستكون معفاة مع مراقبة المنشأ من حيث القواعد والحصص، كما سيكون هناك إلغاء تدريجي للحقوق الجمركية في الجزائر وأوروبا بمعنى سيظهر غربال حقيقي للاقتصاد الجزائري مع ما يرافق ذلك من ارتدادات عنيفة تبرز عبر التراجع في الأجل القصير مع مشاكل التسويق، لكن مقابل كل هذه المزايا ستخسر الجزائر قي بداية الأمر حوالي 5 ملايير دولار يمكن استرجاعها بسرعة التكيف مع الأحداث ويبقى التفكيك الجمركي متدرجا إلى غاية 2017… لكن هل الجزائر ومن واقع هذه المنافسة التي من أساسياتها ترجمة الأعمال قادرة فعليا على التكيف مع ذلك؟ للإجابة عن ذلك نشير إلى تلك الدراسة الاستشرافية في ميدان ترجمة الأعمال، والمنشورة على الموقع الإلكتروني بتاريخ /10 /06 /2004 والمعنونةً “الاتحاد الأوروبي يواجه أزمة ترجمة” جاء فيه: أن هذا الفضاء الاقتصادي الإقليمي يتضمن 20 لغة من خلال البلدان المكونة له، وتطرح فيه مشكلة ترجمة المداولات إلى اللغات بشكل فوري أو شفوي أو مكتوب في غياب العدد الكافي من التراجمة المحترفين رغم العروض الترجمية لترجمة وثائق قانونية مؤلفة من مئات الصفحات برواتب مغرية، هذا يعني أن هناك حقيقة طلبا فعالا بلغة أهل الاقتصاد على هذا النوع من المعرفة العلمية المعللة والتي تخدم المبادلات التجارية، فأين سوق الترجمة؟ وكيف يمكن جعل العرض فعالا؟ رغم توفر الجوانب التاريخية للغة الفرنسية في بلادنا، إلا أن الأمر قد تغير خاصة مع الانفتاح التجاري منذ عام 1990 بموجب قانون النقد والقرض الأول: قانون 90/ 10 بفعل ما قدم من مبادئ الولوج إلى اقتصاد السوق والانفتاح على العالم الخارجي. ويعبر البرلمان الأوروبي على الترجمة الفورية والكتابة لمداولاته باللغات الرسمية لكافة الدول الأعضاء وخاصة منذ توسع الاتحاد في ماي 2004 أصبح ذلك يعني ترجمة مداولات إلى 20 لغة بعد 01/05/2004. حيث كانت مجرد 11 لغة وهكذا سنلاحظ ما يمكن أن يلعبه الامتداد والتوسع في زيادة متاعب المترجمين وكذلك لخلق آفاق في التكوين ومناصب شغل -في بلاد عديدة- للمترجمين ومنها الجزائر.
أشارت الدراسة السابقة حول: 25 بلدا المشكلة للاتحاد إلى أن كلفة الترجمة في الاتحاد ستقدر بنحو مليار يورو في السنة، والاتحاد الأوروبي مدرك تمام الإدراك لأهمية ودور الترجمة الاقتصادية، حيث أن هناك إدارة مشرفة على خدمات الترجمة فيه ممثلة في شخص (جيرارد بونكانفسكي)، الذي اقر بالكم الهائل من آلاف الصفحات الموضوعة للترجمة في كل جلسة، وبان البرلمان الأوروبي يعقد سنويا 11 جلسة تستمر كل منها 4 ايام في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، وقد ارتفع عدد المترجمين في البرلمان الأوروبي من 600 شخص منذ توسيع الاتحاد، لكن بونكانفسكي قال أن هناك حاجة الى 200 مترجم آخر على الأقل؛ مما يوضح انه رغم الترجمة الآلية إلا أن العامل الإنساني يبقى الأهم.
الفصل الثاني: الخدمة النوعية للترجمة الاحترافية المتخصصة في قطاع الأعمال الاقتصادية:
تمهيد: عانت الترجمة في الجزائر بحكم منظومة التكوين العالي من جهة وتطور الاقتصاد الجزائري تاريخيا وما تزال تعاني إلى اليوم من قيود ومعوقات مثل: طابع الارتجالية والعشوائية والتشتت في الجهود المبذولة لتحقيق حاجات معرفية وثقافية آنية وفلكلورية دون أن تدرج في إطار تصور علمي وعقلاني شامل أو مجرد تنسيق مشترك يلبي احتياجات واقعنا الترجمي وتطلعاتنا نحو المستقبل، والمتعارف عليه ان حركة الترجمة لن تحقق المأمول منها دون خطة توصل المنتوج المترجم إلى القراء والمستعملين، وفضلا عن ذلك فان تدني العائد المادي الذي يحصل عليه المترجم كونه مجرد موظف من موظفي الوظيف العمومي بفعل الراتب المادي وكذا محدودية دور النشر وليس المطابع هي التي أدت إلى أن أعدادا قليلة من المثقفين هي التي بادرت إلى خوض مجال الترجمة بوصفهم مساهمين في الحياة الثقافية والعلمية لا كمترجمين محترفين أو متفرغين، وهكذا وجدنا أن عددا من الكتب هو الدافع وراء إنجاز القائم بالترجمة إلى هذا النوع من الكتب والموضوعات وليس قطاع الأعمال أو تلك السوق أو انتماؤه كمتخصص إلى هذا المجال من مجالات المعرفة العلمية العملية.
حققت التكنولوجيات الجديدة المزيد من الابتكارات لخدمة هذا النشاط الحيوي من واقع إدخال الترجمة الآلية التي لم يستسغها هذا المترجم الذي بقي وفيا للعمل الذهني واليدوي وتغليبه على العمل الآلي، وبدا الاهتمام عالميا وفي العالم العربي كذلك بتبني نظام المعجم من منظور الترجمة الآلية؛ لان أهمية المعجم في إطار لغة يحكمها نظامان احدهما نظام القواعد والآخر نظام المعجم ولهذين النظامين دورهما في نظم الترجمة الآلية، ويجب أن تكون هناك لغة عربية مشتركة يفهمها الجميع، إن على مستوى البلد أو الإقليم أو الوطن العربي برمته وتكون أداة فعالة وفاعلة للتعليم والبحث والتأليف والترجمة ويجب دعم الصناعة المعجمية وإثرائها وليس التواتر الشفهي المعتاد فقط. ولأجل نمطية واحترافية جيدة في مجال الترجمة الخاصة بإدارة الأعمال يتعين استنباط العناصر التالية من واقع قراءاتنا التي لا تخلو من حب الإطلاع والاجتهاد في مجالات إدارة الأعمال والترجمة وقد قمنا بتحويل التساؤلات الى إجابات رئيسية من خلال اختيار عناوين ذات دلالات.
هذه الأسئلة هي التي سنسعى للإجابة عنها من واقع قراءاتنا ومعايشتنا الميدانية بحكم ممارستنا التدريس ومطالبتنا طلبة العلوم التجارية كل سنة إنجاز ما يعرف ببطاقات القراءة في مواضيع اقتصادية ومحاسبية ومالية، مما جعلنا نلاحظ لجوء بعض الطلبة إلى مقاهي الانترنيت وانجاز ترجمات آلية بدون معنى علمي او جمالية في اللغة الاقتصادية الاعتيادية، وتجدر الإشارة أن المواضيع التي اقترحت للترجمة تعود لكتاب موسوعي (انظر الملحق رقم 2-) كما أن الكثير من المستوردين وأصحاب المنازعات يتنقلون من المدن الداخلية حتى إلى الجزائر العاصمة آو قسنطينة لإنجاز ترجمة عقد اقتصادي أو غيره فما بالك بالإشهار… وقد وقفنا على أشياء غريبة في مجال التسويق وترجمة ملصقات المنتوج، حيث وجدنا أن مصانع الحلويات بمختلف أنواعها بولاية البويرة تعاني من التسويق نحو البلاد المغاربية والعربية كون التعبئة والتغليف وترجمة المركبات الكيماوية للمنتج غير دقيقة، بل وخاطئة في الكثير من الأحيان رغم جودة المنتوج، حتى أن هناك من يحوز معيار الجودة ألا يزو 9001 إلا أن هذا الأمر يجهله الكثير من المستهلكين؛ مما يجعلنا نلاحظ منتجات تركية تونسية إماراتية رغم تدني النوعية إلا أن الترجمة والإشهار والتغليف وكل وسائل الانبهار التي تلعب فيها الترجمة الدور الكبير موجودة. يطرح هنا موضوع التخصص الاحترافي في الترجمة، وهذا ما سيعالج من خلال نقطتين بؤريتين:
أولا:- العناصر البؤرية في عملية الترجمة الاحترافية المتخصصة: ستكون العناصر حسب النقاط المتسلسلة الآتي ذكرها:
1- حساسية الموضوع المترجم
1.1- أهمية ترجمة كل الموضوع المعالج: يؤكد خبراء الترجمة الاحترافية الى انه: قبل الولوج بصفة غير متحيزة في متاهات الترجمة التعريفية والحرفية للوثائق، لا بد من تحديد الرسائل المهمة المراد ترجمتها حتى يربح الزبون الباحث عن خدمة الترجمة نوعا من الفائض المالي أي الاقتصاد في النفقات، بالتركيز على المهم فقط من العبارات الدالة على المعاني ذات المناحي الاقتصادية والتجارية، مع أن هناك معوقات قانونية سوف تظهر، وهذا ا لفرز سيخلق إشباعا مهما وتلبية ذاتية تتمثل كذلك في ارتفاع المخصص إلى الاستحقاقات لمختلف المصالح الداخلية التي تطلب هذا النوع من الترجمة، علما أن الزبائن أو الشركاء الأجانب للمتعامل الاقتصادي في مجال الترجمة يتهكمون دوما بوسائل عدة؛ ليس لان الزبون مغفل؛ ولكن لجعله يغالط، بحيث يصبح لا يكترث بغمزهم ولمزهم بل سيصبح همه مركزا دوما على الربحية الظاهرية. فهذه التمريرات يمكن أن تأتى ببعض الثروات (المداخيل) وإعطاء المؤسسة الطالبة للترجمة صورة واضحة وفعالة عن مردودية الترجمة. للدلالة على هذه الأهمية، نذكر أن هناك دليلا تقنيا شارحا يتكون من: 21500 صفحة تقريبا، وهذا ما قامت به مؤسسة مالية خلال سنة 1999، وفي فرنسا بالتحديد بناء على توجيهات مترجم محترف قام بحذف بعض الفقرات والفصول و كل ما لا يهم العملاء الأجانب، كما أن هناك مكتبا للمحامين المحترفين يقوم وبصفة منتظمة بعملية طلب منظمة لمترجم مختص للقيام بالاطلاع على براءات الاختراع اليابانية والقيام بترجمة سريعة شفوية ويتم بعد ذلك أن يختار المحامون -ووفق اتفاق مشترك- مع المترجم الوثائق التي يتعين ترجمتها حرفيا ومعرفة هل الوثيقة بالمؤسسة أكثر فاعلية في البلدان الأجنبية، بحيث تحقق وتخفض أو تعالج بتدرج الوثيقة الجديدة التحليلية قبل القيام بعملية الترجمة. هناك النصوص والمفاهيم والمصطلحات بحيث يتعين على المترجم التعامل معها بحساسية مرهفة لان الكلمات ليست دوما ضرورية، فبالنسبة للقارئ الأجنبي فان البطاقات وغيرها تكون دوما معبرة عن نفسها بدل الوصف التقني والشروحات الكلامية، هذه العملية تسمح بكل ما يمكن أن يقوم به المترجم المتعامل مع المؤسسة وبالتالي الابتعاد عن الارتماء في متاهات بعض المصطلحات الأكثر تقنية.
يمكن تبعا لذلك، أن تنعكس على المؤسسة من جانب الترجمة بأقل التكاليف، وعلى سبيل الاستدلال، نلحظ أن مؤسسةI.K.E.A) ) المعروفة عالميا بكونها العملاق السويدي للأثاث والتجهيزات المنزلية والتي لها حوالي 159 محلا) في حوالي 92 بلدا (إحصائيات سنة 2003)، وتمثل حوالي 17 لغة مختلفة مما تطرح مسالة التحكم في اللغة وهذا الأمر محسوم كون ذلك مجسدا بالفعل حول تأشيرات ووصفات التجميع.فان هذه الشركة تستعمل وبوفرة الرسوم والأشكال الشارحة؛ حيث أن 80 بالمائة من التوجيهات تكون مغطاة على شكل صور مقابل 20 بالمائة وفق إشكال أخرى من أشكال الشرح والاتصال، وفي عام 2001، وجد أن 60.4 مليون عابر من مختلف الجنسيات تمكنوا من أن يكونوا أكثر اعتزازا أو فرحا بالرموز الدولية والعالمية للوحات الاشهارية في مطار لندن المعروف بمطار (هيثرو) وقد تم التوجيه عبر 4 محطات جوية، كما أن هناك مؤسسة فرنسية قامت ببناء دليلها الترجميGuide . الخاص بتقديم وعرض موضوع أل 5؛ أي يقوم ويمثل على مستوى: 5 قارات، و5 مجالات للخبرة، و5 أسباب لاجل الاتصال بهم،… الخ، في الإنجليزية يتم الأخذ بعين الاعتبار في الحساب 6 أو 7 قارات بدل ال5.
بعض من اللون المحلي ليس ممنوعا، ولكن لا يمكن نسيان التحقق لدى مجموعة الترجمة؛ فالتطابق جد ممكن في كل وثيقة مكتوبة ولا بد من التأكد من أن بيانات أرقام الهاتف أو الفاكس أو Mail تحترم المقاييس الدولية، وهذا بحد ذاته نابع من مبدأ فكر دولي عالمي.
2.1- العصامية في الترجمة أو الإسناد للغير: من المتعارف عليه، أن التعبير والكلام شيء والكتابة أمر آخر، فاليسر الشفوي لا يضمن دوما كتابة متدفقة ومتألقة؛ كون حوالي 9 مرات من 10 نستشف منها بصمات الأجنبي في الكتابة، أي في كتابات المؤسسة باللغة الأجنبية، حتى وان كانت لديها مناقشات اعتيادية في مجال الأعمال باللغات الحية: الإنجليزية، الألمانية الأسبانية، وحتى وان كان مسيروها يستنفذون الكثير من وقتهم في البلدان التي تتكلم هذه اللغات؛ وهنا تطرح مشكلة التعبير،فإذا كانت الفرضية الأساسية للبيع هي السعر؛ فهنا العملاء المهتمون بأولوية السعر لا يكونون ملتفتين أو منبهرين منذ الوهلة الأولى التي يكونون قد عرفوا الخطوط العريضة للعملية، فهناك من يغني باللغة الإنجليزية وهناك من يتكلم بها… مع كل ما يمكن أن يحدث من تأثيرات مباشرة وغير مباشرة..الخ. إذا أرادت المؤسسة إعطاء صورة عالمية؛ فان المقاربةapproche تكون محظورة، لأنه في العديد من الثقافات لا يقبل الناس مطلقا تحريف هذه اللغات، أي لغات الناس ولا يقبلون على ذلك بجاذبية، ولكنهم يجدون ذلك مزعجا ومنفرا وبالتالي ينقص التواصل والاتصال، هنا تتجسد نمطية الجزئي بعد أن عولج الجانب الكلي Macro.
3.1- إمكانية إسناد اهتمامات المؤسسة الترجمية إلى مترجم: لما يراد تصميم خطاب موقع على الانترنيت أو لوحة اشهارية أو دليل للمنتوجCatalogue ، فكل هذه التصورات والاتصالات يجب أن تكون نوعية، ذلك أن التقرير السنوي لا يجب أن يشابه في صياغة ترجمته أي موضوع آخر، بحيث تضفى عليه جماليات -لا غنى عنها- من خلال: الأسلوب، سهولة القراءة، اختيار الكلمات، طول الجمل أو الإحالات، كل هذه الجماليات تكون قابلة للقولبة بدلالة طبيعة الوثيقة وكذا صدق الاتصال؛ فالمترجم المحترف والخبير يطلب من المؤسسة وبكل تأكيد توضيحات حول هذه الأسئلة ويجب أن تكون مستعدة للإجابة عن ذلك، ويكفي عرض نشاط حول فعالية الترجمة من خلال الإحالة التالية: في سنة 1999، قامت شركة ا.د.ف A.D.F بإنفاق أكثر من 1.000.000 فرنك فرنسي لشراء حيز إشهاري دولي بغية إقامة حملة تتعلق بالخبرات والحنكة والتميز في مجال نشاط الإعلام والاتصالCommunication ، بدل تقديم النوعية والتوعية والتكيف مع الحملة المنتظرة والتي يمكن أن تؤدي إلى تراكم الأخطاء الاختلالات عكس طبيعة الترجمات الأجنبيةétrangère ؛ علما أن هذه الترجمة كان يمكن أن لا تتجاوز اقل من 600 فرنك فرنسي آنذاك، وهكذا تتجلى الجودة في عملية الترجمة واستشراف المستقبل من جانب العائد والمردودية.
2- أهمية الأسلوب الاقتصادي في الترجمة: قبل اختيار طالب الترجمة، يتعين معرفة كم تكلف إستراتيجية تحديد المنتجات أو الخدمات المراد ترقيتها، إذا لم تكن هناك إمكانية تقديم ترجمة مهنية؛ فربما يعود ذلك وببساطة إلى كون المؤسسة غير قادرة على التعامل مع الجوانب الدولية في المجال الاقتصادي والتجاري… ولذا فالمؤسسة وللولوج إلى الأسواق الدولية من منطق: قانون المنافذ الاقتصادي الذي رسخه جان باتيست ساي؛ فان كل سلعة تنتج مطالبة بالبحث عن منافذ وأسواق les débouches، والبحث عن هذه المنافذ يجب أن يرفق بتصور منهج ترجمي لتسويق المنتوج، والمؤسسة مدعوة ومطالبة بالحذر في التعامل مع المناحي التالية :
1-اختيار المترجم الجيد.
2-متابعة الملف.
3-رقابة النوعية.
4-تحويل الملفات أو إعادة تحويلها.
5-إعادة تجانس تقديم المشاريع في مختلف اللغات.
تتم هذه المناحي وفق المهام التي يطلب أن تكون متوفرة في وكالات الترجمة التي تشكل في حد ذاتها قيمة مضافة؛ لأنه من المتعارف عليه، أن هناك سعرا لا بد من تسديده؛ ولكن بالنسبة لبعض المشاريع فانه يجب التقيد بالاقتصاد وبساعات العمل مما يتطلب جهودا كبيرة. كما أن هناك بعض الترجمات لا يمكن أن تتم أو يتكفل بها؛ بمعنى لا تنفذ- وهذا وفق برنامج ترجمة ينجز باستخدام برمجيات الترجمة logiciel traduction.. أو عبر مترجم حيث أن اللغة الأم ليست هي لغة الوصول المحبذة ؛ فلا بد من المراجعة النحوية واللغوية من خلال معجم معد لهذا الغرض، وينبغي اختيار مدى تأثير الكلمات والنص الأصلي على النص الذي سيترجم أو بطريقة ترويض الكلمات وكذلك الجمل خاصة وان الجمل لا تتميز بالسيولة، بمعنى أن الترجمة ليست سائلة ويمكن أن تستفيد منها عناصر أو شخص متآلف مع النص ولكـن دون أن يكون لها أي اثر يذكر. فالكثير من التـراجمة أو الوكالات المختصة لا تقدم نوعية في الترجمة إلا من نـاحية بند: للإعلام (pour information)، كل هذا من اجل عدم الخلط مع التكيف الفعال والحقيقي في العمل الترجمي ولأجل تذليل سوء التفاهم هذا؛ يجب توضيح الأشياء كتابيا لان الثقة في الوثيقة. كما أن مسائل الاختزال في الترجمة أكثر من ضروري بمعنى ضرورة الاكتفاء بما هو ضروري وكاف في العمل الترجمي.
3-مبدأ الضروري أو الكافي في الترجمة الاحترافية: هناك جملة من التساؤلات تطرح حتى تكون لبنة في مسار الفهم مثل: ما هو المستوى الملائم للمؤسسة في المجال الترجمي؟ يستدل على هذا المستوى تبعا لمعرفة مبدأ الإنجاز بسرعة من أول اختبار موجه إلى التستر أو من جانب فهم حركية البرمجياتlogiciels فهناك خطوة واجبة الاحترام إذا أهملت يمكن أن تؤدي إلى الوقوع في الخطاء بدون ريب، لذا لا بد من تخصيص الوقت اللازم لعقد اجتماع لمناقشة أهمية موردي المؤسسة، وإذا كان ذلك غير ممكن؛ فانه توجد اقل الحظوظ للحصول على النتيجة الموجودة ويمكن أن يكون الأمر متعلق بحوالي: 10 دقائق فقط ، ولكن أمر اخذ هذه أل 10 دقائق لأجل المنافسة والمناقشة مع المترجم آو رئيس المشروع، سوف يسمح للمؤسسة بتفادي وبكل تأكيد مسالة القلق، ويمكن أن يحقق ذلك للمؤسسة اقتصادا في الموارد؛ لذا تبدو أهمية الضروري في ذلك…. وهذه هي اللبنات الفعالة لاكتساب الاحترافية في الترجمة بتدنية التكاليف وزيادة مردودية الترجمة والربحية.
4- الاختزال ووضع اللمسات الأخيرة على النص محل ترجمة: من الأفضل القيام بوضع وتطبيق الترجمة في اقرب وقت وبسرعة، لكن يجب اخذ الحيطة والحذر فيمكن الوقوع في متاهات ضياع الوقت أكثر؛ وهذا في حالة تشغيل مترجمين حول نص لا يزال في مرحلة الورشة والإنجاز، لذا يجب انتظار النص النهائي رغم انه يكلف المؤسسة كثيرا بدون حساب التدخلات الأخرى والأخطاء، والبداهة في ذلك: انه كلما زدنا في القراءات والإحالات الموضعية ومضاعفتها؛ فانه يكون لدينا الكثير من الحظوظ رغم أننا نترك مرارا الكثير من الأخطاء في الوثيقة النهائية.
في بعض الحالات، لا نجد خيارات؛ لان الآجال تكون جد قصيرة إذا ما قمنا باستئناف الترجمة قبل إنهاء النص الأصلي؛ فإذا حدث هذا، يتعين وضع تواريخ وبدقة وعناية لكل نظرة أو حالة مع توضيح التغيرات التي سيقوم بها المترجمون كموردي خدمة ترجمية للمؤسسة.
5-أهمية الكلفة والنوعية والسعر في الترجمة الآلية الاقتصادية: مبدئيا، لا يمكن انجاز توزيع خارجي لرسالة آو بيان ترجمة أو بيان مترجم وفق البرمجيات، أي وفق برنامج آلي ابعد، فإذا كان هناك اتفاق شرعي مع عميل المؤسسة يمكن أن تظهر كشخص غير متكامل أو حتى غبي، فهذا البعد السيئ ليس أمرا طيبا حيث نستطيع وبكل تأكيد القيام بحسم عن طريق مترجم حقيقي…traducteur.vrais.. ولكن الكثير أو كلهم لا يقبلون هذا النوع من المهمة، الكثير من المترجمين المحترفين والمهنيين يجدون أن النصوص المسيرة بالبرامج كثيرة الجمود والركاكة، مما يجعلهم يحبذون الانطلاق من نقطة الصفر، وعلى سبيل المثال فان المؤسسة المعروفة عالميا في مجال الطاقة (the world energy country .) خلال مؤتمرها ال 17 المنعقد بهوستون – تكساس، استخدمت برنامج لبلورة تكييف فرنسي للوحات الإعلان (panneaux d’affichage)، ولقد وجد ووفق الحروف الكبيرة بعض اللؤلؤ والجمل كما قيل -مثل: emergency exit only يقابله: (خروج النجدة) بالعربية و: sortie de secoursباللغة الفرنسية، حيث ظهرت الترجمة بركاكتها: urgent sort seul..أي نجدة خروج وحيد؛ مما افقد الترجمة دقتها وبالتالي لم تؤد دورها الاتصالي. لوحظت جودة بعض البرمجيات المخصصة لبعض التخصصات أو فروع العلوم المهنية التي تم إنشاؤها من طرف خبراء يحوزون أحسن نوعية من الوسائل ذائعة الصيت في المجال التجاري؛ لكن هذه الخدمات بطبيعة الحال ليست مجانية باستثناء وما عدا المراجعة من طرف اختصاصي، بحيث تصبح دوما ضرورية، فحسب الوول ستريت جورنال wall street journal ، وبعد أن قامت باختبار خليتين (مصلحتين) للترجمة الآلية على الانترنيت، أمكنها تقديم خلاصتها وحوصلتها بل واعترافها كما يلي: “لكل مسافر يقوم برحلة، أو شخص آخر يريد أن تترجم له رسالة من أحد أقاربه في المهجر، يمكن الحكم المبدئي على أن ذلك في مستوى مقبول passable أي في رتبة متدنية؛ فمن الواضح استبعاد هذه الارتجالات في إعمالنا أو في أي جانب آخر يتطلب الدقة”
من خلال ما ذكر، تبدو أهمية إبراز جانب العرض والطلب في ميدان الترجمة أي اكتمال تحقق سوق للترجمة.
6- سوق الترجمة: هناك أزمة ترجمة من والى اللغة العربية مثلما تؤكده الأحداث والواقع المعيش رغم وجود سوق للترجمة في ظل تغييب عنصر العرض؛ مما ولد اختلالا في معادلة السوق يتعين حله بنفس الطريقة التي حلت بها إشكالية الندرة السلعية التي كرست الفائض والتوازن مع أن لا وجه للمقارنة. واللغة العربية ثرية ووحدها كفيلة بخلق مناخ سوق للترجمة في الجزائر رغم كل التناقضات، ومع الانفتاح الاقتصادي للجزائر، ترتب عن ذلك ودون استعداد أن اشتد الطلب والإقبال على سوق الترجمة إلى اللغة العربية ومنها إلى اللغات الحية الأخرى بفعل زيادة الأنشطة التي لها علاقة وطيدة بالترجمة مثل: (استيراد، تصدير، تحويلات المهاجرين، منازعات المهاجرين، منازعات تجارية محلية ودولية…الخ) وأصبح المترجمون عملة صعبة بلغة الاقتصاديين المعاصرين وأدت الحاجة الملحة والعاجلة إلى أن دخل المهنة غير أصحابها أو من ليسوا أصلا أهلا لها، وساعدت الترجمة التي اصطلح على تسميتها بالفورية (للضرورات المستعجلة) وهي الأسلوب السائد في الأمم المتحدة ومنظماتها على إخفاء هذا العيب والتمويه عليه. لكن يجب الإشارة إلى أن الترجمة الفورية على غير ما يعتقد المجتمع تمثل أدنى درجات الترجمة من الناحية الفنية والعلمية واللغوية، وهذا يعود الى الطريقة التي يتم بها اختيار المترجمين بناء على قاعدة خالدة متمثلة في أن: “الممتحن ليس بأعلم من الممتحن”.
ألف الجزائريون وتعودوا على هذا النوع من الترجمة منذ انعقاد مؤتمر بلدان عدم الانحياز في الجزائر خلال صائفة 1973. ومن المعروف أن اللغة الاقتصادية والمالية لغة حية مزودة بشخصية خاصة وبلغة أكثر انتقائية والناس يحبذون القيام بالترجمة الاقتصادية والمالية دون احترافية ولا مهنية تذكر مع النتائج التي لا يمكن تصورها، فاللغة المتلقية تفيد إنتاج مفهوم معجم اللغة المانحة بضم عنصر محلي إلى آخر أجنبي، وهذا الأمر يخدم الترجمة الاقتصادية الاحترافية، لان الاقتصاد هو المحرك الأساسي للنشاط الحيوي وعبر هذا النوع من الترجمة يتم تجسيد الأفكار والحرف وهو أحد لبنات التنمية خاصة في ترويج السلع والخدمات في عصر العولمة أي عولمة الشركات المدعمة بانفجار المعلومات وقبول الترجمة الآلية، علما أن الكلمات الاقتصادية خاصة في ترويج السلع يتعين أن تتميز برهانان: الجودة والسرعة. ومن بين المشاكل التي تعاني منها الجزائر في الحقبة الأخيرة هو عدم تمكنها من إيجاد حلول جادة للمعادلة الصعبة التي تواجه البلد والمتمثلة في معادلة الثقافة بشقيها: التعليم والتربية ووسائل الاتصال المتطورة في ظل القيود المعاصرة للاتصال رغم الثورة التكنولوجية، فالمنظومة التربوية الجزائرية رغم نتائجها الكبيرة إلا أن هناك دوما هزات تحدث بين الحين والأخر، وهذه الخاصية ليست صفة جزائرية بحتة بل عانت منها الكثير من البلاد النامية وحتى العربية منها، وهذا الأمر يمثل في الواقع غزوا ومسخا ثقافيا، ولعل أجمل استعارة يمكن تقديمها في هذا المضمار هي ما رصده الدكتور محمد الرميحي (مجلة العربي – العدد 288 –نوفمبر 1982) في مقالة رائعة له بمجلة العربي وعلى لسان الأستاذ فخري علي وزير التربية والتعليم البحريني آنذاك، الذي ذكر وبشيء من التشاؤم: “لقد رأينا أفواج الأجيال الممسوخة تلو الأجيال الممسوخة تتخرج من الجامعات الى الوزارات وينتشرون في الأرض العربية دون أن يكون لهم تأثير حاسم في صراع أمتهم مع الجهل والفقر والمرض والتخلف والتجزئة“. وللدلالة على هذه الأفكار الرائدة؛ فانه يمكن القول أننا حاليا بمثابة رهائن على ضوء الموجة الإعلامية الكبيرة للشركات متعددة الجنسيات في برامج التلفزيون والانترنيت من خلال المواضيع المتوفرة كذلك في الصحف والمجلات وبطبيعة المواد المستهلكة عبر معظم أجهزة الاتصال كان تكون موادا مستوردة من الكثير من بلدان العالم، مع أننا لا نستطيع استنباط هذه الواردات من بيئتنا العربية الإسلامية، بحيث أصبح الاتصال الجماهيري في العالم يخضع لصناعة ضخمة: الصناعة الثقافية تملكها الشركات سابقة الذكر وهي صناعة تسيطر عليها التكنولوجيا المتقدمة وتبرز المعادلة الصعبة التي تواجه الأمة العربية اليوم وهي معادلة الثقافة بشقيها: التعليم والتربية ووسائل الاتصال الجماهيري كما ذكرنا آنفا. لقد أضعنا كثيرا من المزايا ومن بينها الملكية الفكرية التي أفضت إلى إقامة قرصنة لم ننتبه لها في وقتها للأسف، وهذه القرصنة الفكرية هي التي قضت على الإبداع الصناعي والابتكار، وسنقدم مثالا حيا عما هو موجود في بلد متوسطي تربطنا به علاقات مالية واقتصادية مميزة، يوجد في فرنسا ما يعرف بالوكالة الوطنية لمجالس الملكية الصناعية، كما أن هناك كذلك لجنة البراءات للحفاظ والتمكين لحقوق براءات للديوان الأوروبي للبراءات.وقد لوحظ في البلدان الأوروبية والعالم المتطور عموما أن شراء خدمة الترجمة دون أن يكون ذلك مرتبطا بشيء من التأهيل (habilitation) يفضي في بعض الحالات إلى خلق أنواع من القلق والتردد وحتى التشكيك في الخدمة، وهنا تظهر أهمية وادوار المجالس المنتخبة وكذا المجتمع المدني في هذا الإطار لإزالة وتحييد هذا التلف وكذا الأعباء التي ترتبط باقتناء خدمة الترجمة، وقد صدر ما يعرف بـ: الدليل الصغير لمشتري الترجمة، فهل هذه العناصر المؤطرة للخدمة متوفرة لدى مؤسساتنا؟ لو كان الأمر كذلك؛ لماذا نصر أحيانا على الطابع الشعبوي المظهري في الترجمة، وحين اكتشاف الخطأ نرمي الموظف البسيط بالصغائر، ولماذا نؤخر أو نساهم في تأخير تدفق المنتوج الجزائري تجاه أوروبا وأمريكا والعالم العربي بفعل هذا التخاذل الترجمي إن صح التعبير؟ كيف لنا ذلك ولا يزال طلبتنا في كثير من الجامعات تترجم لهم مصطلحات بأخطاء علمية أكاديمية خطيرة،ومن بين الأخطاء في الترجمة أن تمت ترجمة كلمتي: الكمبيالة والسفتجة ترجمة حرفية وفق منطق كلمة كلمة، مما أدى إلى مغالطة مفادها: أن هناك فرقا بينهما في حين انه لا وجود لهذا الفرق، والسبب يعود إلى أن المصطلحين السابقين ليسا عربيين (احدهما فارسي والآخر إيطالي حسب علمنا)، فلو ترجمنا مصطلحLettre de change باللغة الفرنسية أو BILL OF EXCHANGE باللغة الانجليزية؛ لوجدنا أن ما يقابل ذلك هو رسالة الصرف، وهذا مخالف لجمالية الترجمة في الاقتصاد والتشريعات القانونية (القانون التجاري) وهناك للأسف من يبرر الخطا في الترجمة في إطار طابع شعبوي مرير. هناك حالات في شركة اسبات الجزائرية -الهندية كما ذكرنا سابقا، وكما وقع لشركة لإنتاج واستيراد عربات السكة في العراق، رغم الامتيازات المقدمة من طرف هذا البلد، والسبب أن العرض الجزائري قدم باللغة الفرنسية دون إرفاقه بنص مترجم إلى العربية، ولم يتم قبول العرض الا بتدخل مباشر من الهيئات السياسية لهذا البلد الشقيق…
ب- خصوصيات الجودة والنوعية والسعر في الترجمة الاقتصادية: تتجسد هذه الخصوصيات في البنود المحورية الآتي ذكرها:
1- مدى الإفصاح عن الانطباعات الترجمية لمترجم محترف: تتمثل هذه الانطباعات -من منطق الإفصاح والمساءلة في نوعية الاتصال الترجمي وما ينبغي أن يرتبط به، كان يكون هناك: خطاب ضمن موقع انترنيت، لوحة تجارية، كتالوج (دليل) منتجات، ومن الضروري أن يكون كل اتصال مصمما وفق نوعية تعكس أن التقرير السنوي للمؤسسة او المنظمة لا يشبه موضوعا أو نصا آخر، وهناك أولوية في اختيار الأسلوب السلس لتسهيل القراءة والاستيعاب، مع اختيار عناصر ذات الصلة مثل: الكلمات، طول الجمل أو الإحالات، وهي تمثل أشياء متعامدة بدلالة طبيعة الوثيقة والهدف من الاتصال؛ حيث أن المترجم المحترف سيكون مضطرا لطلب -وبكل تأكيد- إيضاحات أو تنوير حول هذه المسائل ويجب أن يكون الطرف الآخر أكثر استعداد لتقديم ذلك وبكل شفافية. هنا ستطرح إشكالية توضيح وتبيان وتدقيق الهدف من النص لمترجم المؤسسة المعتمد بدلالة الحامل والهدف وتبعا لذلك سوف يظهر التأكيد وكذا التأهيل والتكييف الذي سيفضي إلى أحسن اثر. ولا مكان للمجاملة الترجمية إلا في حدود لباقة التعامل.
2- خطورة المجاملة في الترجمة الاحترافية: تفكر العديد من المؤسسات التي تواجه أنشطتها نصوصا أجنبية في اللجوء إلى العلاقات الشخصية أو إلى مدرسين للغات الحية لانجاز الترجمة التوثيقية، ففي بعض الحالات إذا تعلق الأمر فقط بمعرفة ماذا سيكون رد الفعل أو باستخدام في الداخل، يمكن هنا أن تتم العملية، لكن إذا كان الأمر يتعلق بالاتصال التجاري؛ فان الأمر يصبح مشوبا بالخطر، ويتزايد الخطر إذا كانت المؤسسة تلجا إلى طلب مساعدة طلبة مترجمين للحصول على ترجمة رخيصة وبأقل التكاليف (دون مراعاة خصوصيات الوثائق المترجمة)، فتدريس لغة أجنبية هي بمثابة حركة وحرفة مطلوبة، وتتطلب قدرات نوعية، وللأسف فان القادر على التدريس ليس بالضرورة كاف وقادر على القيام بالترجمة بكل سيولتها وأناقتها وتميزها. وتكون المؤسسة أمام رهان قبول ترجمة طلبة في الطب أو في الحقوق أو في الاقتصاد مثلا، حيث يمارسون عمليات صغيرة في الترجمة لتحقيق عائد مادي صرف يستخدم في تسديد مصاريف دروسهم… هل يمكن هنا ومن واقع اللائحة أو وثيقة الإعلام أو التقرير السنوي ان يذكر فيه هذه الوضعية وبان هؤلاء مجرد مترجمين صغار؟ هل تحبذ المؤسسة التي تحترم نفسها في مجال المعلومات المحاسبية من واقع الإفصاح أن تكون قوائمها المالية (les états financiers) معدة من طرف تلاميذ مدرسة تجارية أو تلاميذ معاهد متخصصة في التكوين المهني كما هو الحال عندنا في الجزائر، لتحقيق هدف الاقتصاد في الأعباء دون مراعاة للترجمة الرديئة التي ستنعكس بدورها على صيرورة أنشطة المؤسسة في مجالات حركيتها.
3-أهمية اللغة الأم في عمل المترجم المهني والمحترف: إذا أرادت المؤسسة ترجمة لوائحها أو دليلها بالألمانية أو الروسية أو الصينية، ينبغي منح العمل الترجمي إلى ألماني أو روسي أو صيني، لماذا؟ لان المترجمين من اللغة الفرنسية (حتى في الشركات الجزائرية التابعة للقطاعين العام والخاص) إنما يترجمون نحو الفرنسية ابتداء من لغة أجنبية، وان المترجم الذي يحيد عن هذه القاعدة الأساسية، يصبح له الكثير من الحظوظ لإهمال بعض الخصوصيات الأخرى من ناحية نوعية الترجمة؛ لكن الذي يعطي الأوامر في الترجمة، يعني انه يعي ذلك جيدا، من حيث المعرفة على الأقل. وهناك حقيقة أخرى تتعلق بالاستثناءات، ولكنها كثيرة ومتعددة، فان الشخص الذي يتم التخاطب أو التعامل معه، وعلى الرغم من كونه ليس أصليا،فانه يميل ويدعي انه في مستوى راق بالنسبة للغة الأم la langue maternelle، لذا يجب الاستفسار منه حول معرفة ورؤية عمله ثم القيام بعرضه على متعاملي المؤسسة وشركائها بالخارج. ويجب الانتباه إلى حالة: إذا كان نصه مقروء أو يقرا بسهولة وفيما إذا كان يتميز بطابع جمالي، وإذا كان هذا المترجم يضمن للمؤسسة نفس مستوى النوعية لأجل تحكم خاص، فلماذا لا يتم التعامل معه؟ هل المترجم المقيم بالخارج يفقد الاتصال بلغته الأم؟ الإجابة الموضوعية تظهر أن: سيئ/ نعم، وممكن جيد/ نعم، لان المترجم المحترف له نقاط مشرقة، وتبقى تلازمه وعلى أعلى المستويات أينما كان، فهو يمارس التلمذة والأستاذية في آن واحد.
4-طبيعة لغة التعامل لدى قراء ومتعاملي المؤسسة: نظرا لطابع الهيمنة اللغوية، يجب السعي إلى التمييز بين القراء والمتعاملين، فإذا كان هؤلاء: المتعاملون والقراء بالإنجليزية البريطانية أو الإنجليزية الأمريكية، أو الأسبانية لاسبانيا أو اسبانية الأرجنتين؛ فان الإنجليزية المستخدمة من طرف المؤسسة، تتطلب معرفة ما إذا كانت موجهة لقراء ليست لغتهم الأصلية الأم الإنجليزية، ولتحديد ما يلائم بالضبط من ناحية اللغة الأم، يجب أن نحاول الاتصال والتركيز مع متعـاملينا الأجانب حيث أن السجل الترجمي له أهميته -بطبيعة الحال له- وهناك سؤال يطرح كالتالي: هل نريد الألمانية للمهن الطبية أو للاستهلاك المتوسط، هل نبيع لماع الأحذية أو ربطات العنق في بلدان العالم النامي أو نقوم بتوظيفات مالية في الضواحي السكنية لفرنسا (على سبيل الاستدلال)؟ في هذا السياق، قامت وزارة التخطيط الأمريكية بطلب ترجمة لوحة من 8 صفحات، وقد ترجم النص بالفعل رغم الطول الملاحظ وينبغي الاستمرار في طرح التساؤلات مثل: هل تتكلم لغة قرائك؟ ضع نفسك في مكانهم؟ ابحث عن الطريقة الواجبة لتأسيس وتشكيل عرضكم الذي يجيب عن الأفضل بالنسبة لانتظارهم وصبرهم ؟ يتعين أن نكون واقعيين ودقيقين.
5- فعالية طرح الأسئلة من طرف المترجم المحترف: لا يوجد أي شخص يقرا نصوص المؤسسة بكل دقة، وإثباتا لذلك فان مترجم المؤسسة -خلال عمله- بإمكانه أن يتصيد ويكشف اعتياديا رسائل غامضة، وبالتالي يقوم باستيضاحها أي استيضاح الرسالة، لذا يجب انتهاز الفرصة لتطوير تحكم الأصلي، كون الفرصة بمثابة كل الربح وكل المكسب. انه وتبعا لعملية الترجمة؛ فان شركة للفيديو تحققت من المدى المفسر لعدم فهم إطاراتها جيدا لسياساتها في مجال الأوراق المالية ….stocks options … وقد قام المترجم وبالحفاظ على المبادئ بطرح العديد من الأسئلة وكذلك تأهيلها وتكييفها بحيث أصبحت أكثر تطابقا مع الأصل، كما ظهر أن مدير الدراسات الاقتصادية لبنك كبير بباريس يؤكد بأنهم مقتنعون ويحبذون انتظار النصوص الناتجة من عملية الترجمة قبل إرسالها أي إرسال هذه الوثائق الفرنسية الأصلية إلي المطبعة، لأجل سبب بسيط لان مترجميهم يتبعون قطاعاتهم عن قرب، ويمررون النصوص خوفا من عنصر الاختراق والغربلة crible...، حيث أن نظرتهم النقدية تسمح للمؤسسة وتساعدها على اكتشاف نقاط الضعف في النص الأصلي.
6- إشكالية النص التقني وسيطرة المترجم على الموضوع: عندما يقدم نفس النص بشكل موجز أي:briefing البريفينغ لخمسة محررين من نفس اللغة الأم، ويطلب منهم كتابة بطاقة المنتوج على نصف صفحة؛ سيكون هناك 5 نصوص أكثر اختلافا بخصوص مصطلحات الوضوح والسيولة؛ ذلك أن الذين يعرفون جيدا الموضوع سيكون بإمكانهم انجاز- بكل حقيقة – أحسن النصوص، وهذا ما يتطابق مع ما يقوم به المترجمون، وفي نفس السياق يمكن القول أن الموضوع يجب أن يكون مألوفا بالنسبة لهم، ولا يجب أن يتم اكتشافه لصالح طالبي الترجمة إلا إذا كان تم اتفاق ضمني فيما بينهم، وهنا يتم الحصول على أحسن النتائج عندما يتم القيام بإجراء اتصالات ومناقشات متتابعة مع المترجمين، وفي الأجل الطويل سيتم العمل جماعيا وبالتالي تفهم فلسفة المؤسسة وإستراتيجيتها المتعلقة بالمنتوج، والنصوص حينئذ لا يمكن أن تكون إلا أكثر فاعلية إذا كان الأمر ممكنا؛ يجب التعريف بهؤلاء الذين قاموا بهذه الترجمة، ليس فقط المسئولين على المشروع ولكن المترجمين في حد ذاتهم الذين يعملون بفاعلية على نصوص المؤسسة وعرفوا بهم من حيث أن: الكلام مع المترجمين قد يساعد في التعرف إلى مدى ارتياحهم وانسجامهم مع المواضيع التي يترجمونها، إذا كان الأمر ليس كذلك؛ فالوقت ملائم لتعويض وتغيير الموردين.
7-اللمسة الأخيرة ومراجعة الموضوع من طرف المترجم المحترف: تمثل هذه المرحلة قاعدة مطلقة مهمة، حتى وان كانت الإجراءات في حالة ترويض ومواءمة، وحتى وان كان مترجمو المؤسسة واضحين ويعرفون جيدا مؤسستهم؛ فان الاتجاه الأحسن من جانب الوثائق يمكن أن يكون معروفا، ولكن تقابله عراقيل كبيرة وبأحجام متفاوتة؛ إذا كانت تغيرات قد حدثت في آخر لحظة من العمل الجاد والمرهق مثل: السندات، الدليل، الإحلال والبدائل في الكلمات، قد أسندت إلى غير متخصص في العمل الترجمي. لا يمكن أن نتعب من القيام بإعادة قراءة النصوص لهذه الوريقات من الويب عن طريق مختص أو مهني، فهناك -على سبيل المثال- شركة أمريكية كبرى للهاتف عن طريق الانترنيت تقدم الإشارة التي يمكن أن تكون عبرها المكالمات مجانية وأكثر وضوحا، مع الطلب إلى احد أبناء البلد المعروفين وذوي المصداقية والذي يكون حساسا تجاه اللغة للقيام برقابة نوعية حول رأي المؤسسة، وهنا يصبح من الضروري معرفة بان ذلك غير ممكن لإنهاء الاشتغال على النصوص الأجنبية عبر الهاتف، لان خطر سوء التفاهم يكون كبيرا إن شراء خدمة الترجمة في غياب التأهيل، يؤدي أحيانا إلى ولادة قلق مبرر، ولا يمكن الرجوع إلى النص إلا إذا كان ذلك ضروريا أو إذا كان ذلك أحسن وسيلة لتمرير الرسالة.
خلاصة واستنتاجات
الحقيقة، أن الترجمة الاحترافية وكذلك المترجم المحترف قد عانيا، وما يزالان يعيشان هذه المعاناة ومن ألوان عدة من القيود والمعوقات مثل طابع العفوية والتشتت في الجهود المبذولة في هذا الحقل الحيوي من الجانب المعرفي، وخاصة الترجمة المتعلقة بإدارة الأعمال الاقتصادية، رغم ان هناك جهودا معرفية وثقافية محينة دون أن تكون مندرجة في إطار خطة شاملة او تنسيق مشترك يلبي احتياجات واقعنا الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وكذا التطلعات نحو المستقبل، وبقيت الترجمة في الجزائر بصفة خاصة على مدى حقب زمنية مجرد انعكاس لجهود ذاتية من قبل مترجمين أفراد أكثر من كونها فكرة وليدة خطط مدروسة. هناك عملية مهمة أمام المترجم سواء كان محترفا او ممتهنا او حتى متدربا، تتمثل في مدى مقابلة التحولات التي عرفتها الجزائر في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي إطار العولمة، مع وجود سوق واعد وكبير للترجمة دون وجود عناصر العرض والطلب بسبب لا كفاءة التكوين من جهة وعدم الاطلاع على المعارف من جهة أخرى، مما أفضى إلى غياب استعداد استباقي لمواجهة شدة الطلب على الترجمة التي انفردت بها المدن الجزائرية الكبيرة دون غيرها لأسباب معروفة.
إن الحدود بين ترجمة الإنسان بمساعدة الآلة، وترجمة الآلة بمساعدة الإنسان، غالبا ما تكون غير معروفة ومعرفة وأكيدة، كما أن مصطلح الترجمة بمساعدة الحاسوب يمكنه أن يغطي كلا المصطلحين السابقين؛ لكن الجزء المركزي والأساسي في الترجمة الآلية نفسها، كما يرى بعض الباحثين هو أتمتة عملية الترجمة بكاملها. لكن لا يجب إهمال العمل الإنساني المكمل للآلة، فالعمل الإنساني يبقى دوما رهان التحدي في الترجمة، وللتكوين العالي الاحترافي بصماته في هذا الجانب، مع الاستفادة من الخبرات الوطنية أولا بأول ثم الخبرة الأجنبية التي لا تخلو من ايجابيات رغم اختلاف قطاعات الأعمال في البلاد النامية والمتخلفة، كما أن المسحة الجمالية على النص من شانه تقريب المعاملات وزرع الثقة بين مانح خدمة الترجمة ومتلقيها. فإرهاصات ترجمة الأعمال التجارية والفكرية وكذا الأحوال الشخصية والعقار المبني وغير المبني ومنازعات قطاع البناء كفيلة بالتكوين الميداني الصحيح.
بناء على ما ذكر، ومن خلال ورقتنا هذه؛ نقترح التوصيات التالية:
1- مواصلة التفكير في تنويع تدريس واستخدام اللغات الحية وخاصة اللغة الإنجليزية بفعل علميتها وعالميتها دون إهمال لغات أخرى كالصينية التي أصبحت تحتل مراتب متقدمة.
2- التمكين للترجمة الاقتصادية في إطار عولمة الاقتصاد وانفجار المعلومات وفق الثلاثية المتوازنة: الجودة والسرعة والتكاليف تتطلب دراسة لغة أجنبية حية كونها بمثابة حرفة مطلوبة وتتطلب قدرات نوعية ويجب الانتباه إلى أن الناجح في تدريس الترجمة ليس بالضرورة ناجحا في الصياغة الترجمية في مجالات: الأدب أو الفنون الاقتصاد أو القانون لان الحرفة هذه قد اخترقها المتطفلون مستغلين ثغرات الفراغ التشريعي والقانوني في اعتماد المترجم المحترف الملم باركان مهنته .
3- لا يمكن المصادقة على النصوص المترجمة، حتى وان أنجزت من طرف متمرسين او متدربين؛ الا إذا عكست قدرا من المصداقية في احترام النص المترجم وإتقان اللغة ألام، التي يتعين أن يلم بها المترجم -وحسب التخصصات- مما يتعين معه ارفاقية تدريس المصطلحات المنهجية لكل التخصصات الجامعية .
4- لمواجهة تحديات الترجمة، ومنها صعوبات الإنجاز الفعلي للأعمال المترجمة؛ يجب التركيز على النوعية من ناحية: الأسلوب وسهولة القراءة وبساطة المصطلحات، كون المؤسسة تتعامل مع جمهور متعدد الثقافات والمستويات والأذواق، والمترجم مطالب خاصة إذا كان محترفا وبكل تأكيد بالتنور حول مسائل منهجية؛ هو على دراية بها منهجيا. ولكن لا يعلم مدى تأثيرها على المؤسسات الطالبة للترجمة. فالترجمة الآلية رغم أهميتها؛ إلا أن للعمل الإنساني دوره في إضفاء المسحة الجمالية على الكلمات والجمل والنص المترجم رغم الرهانات سابقة الذكر؛كما ينبغي تبيان وتوثيق الهدف من النص المترجم بدلالة الحامل والهدف وتبعا لذلك تأكيد التأهيل والتكيف الذي سيثري فعلا النص؛ فالمنتوج إذا لم يكن مدعما بترجمة وافية لن يجد منافذا نحو الأسواق.
5- لا بد من معرفة لغز المصطلح، وما يخفيه من غموض؛ قد يساء تفسيره وبالتالي لا تتحمل المؤسسة عواقب ذلك. وللحد من هذه التجاوزات يجب الاطلاع الدوري على معايير الترجمة مع تكثيف تجديد المعارف في مجال الترجمة الاقتصادية، خاصة مع المواعيد المهمة للاقتصاد الجزائري من تطبيق اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والحاجة إلي مترجمين نوعيين في مجال الأعمال أو المعاهدات التجارية والصفقات والضمانات وغير ذلك،… وفكرة الملتقيات العلمية والدراسات المستحدثة في هذا الميدان خير قرينة على مدى ما يمكن أن تكون عليه الترجمة في الجزائر؛ دون نسيان أن المتعاملين في الاتحاد الأوروبي، ينظرون إلى الاقتصاد الجزائري بصفة اختزالية وبكونه مجرد سوق استهلاكية لا غير. وللدلالة على ذلك، يكفينا ما نشاهده يوميا من ملابس وجلود وأدوية ومواد رديئة للغاية دون احترام الملكية الفكرية مما زاد في القرصنة.
6- ضرورة إشراك القطاعات الاقتصادية قاطبة في عملية التكوين الترجمي؛ لتحقيق الحد الأدنى من الجدية في مجال الاقتصاد والأعمال. ويتعين كذلك أن يكون المترجم متخصصا في مجال معين؛ كي يطلع على ما يحدث فيه ويكتسب الخبرة اللازمة؛ مع إعطاء الجامعة دورا في التفكير التكويني وتغيير المناهج بما يتطابق وهذا العمل؛ لان الخطا في الترجمة -كما ذكرنا- قد يؤدي إلي انهيار النظريات التي نطلق عليها مجازا علمية، ولا بد من إيجاد تخصص ترجمة اقتصادية وللأعمال. ولهذا يجب دائما أن يتابع المترجم عن كثب القطاعات الاقتصادية ميدانيا لأجل معرفة كيفية تمرير النصوص الاختراقية، فنظرة هؤلاء المترجمين النقدية تسمح لنا وتساعدنا باكتشاف نقاط الضعف في النص الأصلي مع مراعاة العائد والتكاليف وكذلك ربح الوقت لان الترجمة تكون أحيانا سريعة.
7 – دعم الصناعة المعجمية وأبحاثها ومشروعاتها التي تخدم قضية التعريب كمشروع الذخيرة اللغوية ومشروع المعجم الصحفي العربي المعاصر ومشروع تقييس المصطلح؛ وفي الأخير لنا أن نتساءل: إلى أي مدى مستقبلي ستحفز الجزائر نظامها التربوي للتكفل الجاد بالتكوين في مجال الترجمة الاحترافية؛ خدمة للاقتصاد في مواجهة رياح العولمة الترجمية؟ وكيف يمكن بناء برمجة استشرافية متدرجة في سبيل التكيف والواقع الإقليمي والدولي؟
قائمة مراجع الورقة البحثية
1-فلوريان، كولماس: اللغة والاقتصاد، ت (احمد عوض)، المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب، الكويت، تشرين الثاني، 2000.
2- نعمة عباس الخفاجي، عبد الهادي رشح: التصور المعرفي والأخلاقي للقوة الإستراتيجية لمنظمات الأعمال، مجلة دراسات اقتصادية، العدد 3، بيت الحكمة، بغداد، صيف: 2001 .
3-نبيه، غطاس: معجم مصطلحات الإدارة (إنجليزي–عربي)، مكتبة لبنان، بيروت، 1974.
4-محسن احمد، الخضيري: الإدارة في بلدان النمور الآسيوية، ط2، ايتراك للنشر والتوزيع، القاهرة، 1999.
5- عبد الحليم، محمود: التفكير الفلسفي في الإسلام، دار الكتاب اللبناني –مكتبة المدرسة، بيروت، 1985.
6-جرجي، زيدان: تاريخ التمدن الإسلامي، ج1، دار مكتبة الحياة، بيروت، د.ت.
7-________ تاريخ التمدن الإسلامي، ج2، دار مكتبة الحياة، بيروت، د.ت.
8- سهيل إدريس، جبور عبد النور: المنهل ( قاموس فرنسي- عربي)، دار الآداب- دار العلم للملايين، بيروت، 1983.
9- محمود إسماعيل، صالح (الصيني): الحاسوب في خدمة الترجمة والتعريب، مركز الترجمة، جامعة الملك سعود، السعودية (شبكة الانترنيت).
10- موقع إسلام اون لاين بتاريخ: 31/01/2005، ينظر المواضيع التالية:
أولا: دعوة عربية لمواجهة فوضى الترجمة.
ثانيا: تطبيع ترجمة أم تطبيع سياسة.
11-ينظر: الالسكو: فعاليات مؤتمر الترجمة والتعريب، دمشق، الدورة العاشرة، 2003.
12- إبراهيم عطوف، كبة: الكمبيوتر والترجمة، موقع الحوار المتمدن، عدد: 1233 الموقع www.rezgar.com
13- ينظر: موقع إسلام اونلاين: الاتحاد الأوروبي يواجه أزمة ترجمة، تاريخ الزيارة: 10/06/2004.
14-ينظر: القرار رقم 13/95، المؤرخ في: 11/03/1995 الخاص بالترجمة والترجمان في الجزائر.
15- ينظر: المرسوم التنفيذي رقم436/95، المؤرخ في 18/12/1995.
16-ينظر: مداخلة عز الدين المخزومي: العولمة فلسفتها وأهدافها، مجلة المترجم، العدد 09، مخبر تعليمية الترجمة وتعدد الألسن –قسم الترجمة، جامعة وهران، 2005.
17-ينظر: مداخلة عبد النبي ذاكر: الرهانات الاقتصادية للترجمة الآلية، نفس المصدر.
18-ينظر: دراسة: عز الدين أبرجي: إشكالية المصطلح في الوطن العربي والإسلامي (دراسة مفهوماتية حول مصطلح التنمية)، مجلة مجلة الشهاب، ماليزيا، شبكة الانترنيت، تاريخ الزيارة: 29/08/2005 .
19-ينظر: علي القاسمي: في العلاقات الأدبية بين العرب والغرب، موقع: إسلام اون لاين، تاريخ الزيارة: 31/01أ 2005 .
20- ينظر: الدراسة القيمة الموسومة: مشروع المعيار الأوروبي في الترجمة، موقع: www .sft.fr.
21- ينظر: نفس الموقع: دليل شراء الترجمة الاقتصادية.
22- ينظر: الاتحاد الأوروبي يواجه أزمة في الترجمة، موقع www.islamonline.net بتاريخ 10/06/2004.
23- ينظر التفاصيل في:Liess Mairi: faut- il fermer l’université، E.N.A.L، Alger، 1994
24- ينظر المقالة: ;la norme un projet globalement approuve site www.sfr.fr
25- ينظر: Mohamed el kebiche: le traducteur interprète– mutarjim no 09 janvier- juin 2004) ، laboratoire didactique de la traduction et multilinguisme _ Oran _ Algérie.
26– traduction faire les bons choix: petit guide de l acheteur de traduction site; : sft.www. .fr. un traduction s écrit alors que l interprétation reste orale.
27- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم: المعجم العربي الأساسي، لاروس، تونس، 1989 .
28-بوبكري، فراجي: الترجمة التعريب والمصطلح، دار الغرب للنشر والتوزيع، وهران، 2004.
29- ينظر: دراسة: سليمان إبراهيم، العسكري: العرب وتعريب العلوم الحديثة، مجلة العربي العدد 508، الكويت، ذو الحجة 1421، مارس 2001.
30-فؤاد، زكريا: تعريب العلوم، مجلة العربي،العدد 302، الكويت، يناير 1984.
31-عبد الوهاب، العشماوي: أزمة الترجمة الى العربية، مجلة العربي، عدد 295، الكويت، يونيو 1983.
32- محمد، الرميحي: التعريب، مجلة العربي، عدد 288، الكويت، نوفمبر، 1982.
33- ينظر: الشروق اليومي، صحيفة يومية، الجزائر، يوم: 30/08/2005.
34- ينظر: مجلة عالم الاقتصاد، عدد 149، عدد جوان، الرياض، 2004 .
35- عبد الله بن حمد، الحميدان: مقدمة في الترجمة الآلية، دار مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 2001.
36- Bernard, Colasse: Encyclopédie de Comptabilité , Contrôle de gestion et Audit, Economica, Paris,2000