رسالة الترجمة في معترك الإعلام : من النقل إلى العقل تجاوزات ترجمية لمصطلحات مرتبطة بمسألة الإرهاب
د. عبد الملك الزوم
(فرنسا)
ملخص
تركز هذه الورقة على تجاوزات وانحرافات في ترجمة بعض المصطلحات التي ظهرت حديثاً لتّعبيرعن ظاهرة العنف و الإرهاب و أبعاده و دوافعه، وعلى دور الصحافة والإعلام في تدوير هذه المصطلحات وربطها سواءٌ بالدين أو بالمعتقد أو بالأرض أو بالعرق أو بالطائفة دون الرجوع إلى مصادر التأويل لتجاوز مشكلة الانحراف عن مسار ترجمة المعنى الصحيح. في معترك الإعلام الواجب هو أن تقف الترجمة الإحترافية والمهنية على نفس المسافة بين الثقافات واللغات المتعددة وأن تلتزم أدبياتها المتعارف عليها منذ القدم وهو الدور المنوط بها، فيقف المترجم وقفة ناقل ووسيط محايد لايتحيز للون ما أو لطرف من الأطراف، بيد أن مانراه ونسمعه اليوم في مختلف الأصعدة والمنابر الإعلامية يضع هذا الدور الموسوعي للترجمة في دائرة الشك والتهمة، إذ أن بعض المصطلحات التي ينبغي أخذ الحيطة الشديدة عند ترجمتها أو بالأحرى تأويلها إلى اللغات الأخرى تخرج عن سياق معانيها المفروضة لترتدي حلة مشوهة تارةً بمعاني مُلازمة أو بعبارة أخرى حرفية وتارةً تُؤَول حسب بعض الإيديولوجيات بالشكل الخاطئ، وهي بهذا الشكل تبتعد عن المعنى المراد، فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكننا أن نستحضر مفردات وتعابير ك” جهاد، اسلام، استشهاد، شريعة، فدائي، مرابط، ، الله أكبر، إلخ” أو بعض الآيات القرآنية التي يُستشهد بها في مواقع الأخبار الإلكترونية والقنوات المتلفزة لتبرير وجهة نظر معينة. غير أن هذه المفردات باتت اليوم عنواناً بارزاً للتعبير عن ظاهرة الإرهاب والفوضى، لا سيما في أوروبا. وقد يسأل سائلٌ، كيف لهذه الكلمات الرنانة ذات القداسة العليا عند المسلمين أن تكون عنواناً للعنف؟ والمفارقة الكبرى هو أن مفردة “اسلام” فى حد ذاتها تحمل معنى السلام والاستسلام.
إن تعدد المعاني للمفردات أو مايسمى التعدد المعنوي Polysémie ليس بالأمر الجديد ويسمى هذا في علم اللسانيات بالاشتراك اللفظي، وهو شأن اختصت به اللغة العربية وتشاركها به العديد من اللغات. وهذه الفرضية تحيلنا بالطبع لرؤية الفيلسوف ويتغينستاين Wittgenstein في كتابه ” مباحث فلسفية” الذي يرى فيه أن الترجمة لا تتعدى أن تكون « لعِبٌ على كلمات اللغة »، وقد نرى في تعدد المعاني للمفردات أو في تفرد المصطلحات بالمعاني ما يرمي له الفيلسوف Frege “فريج” الذي شبّه المعنى والكلمة في عملية الترجمة «بالقشرة والنواة». هذه الصور البلاغية والفلسفية تدعونا للتفكير بعملية التأويل التي تُمارس على اللغة العربية عندما يتعلق الأمر بمصطلحات دينية، لا سيما إسلامية. ومن هذا المنطلق هل لنا أن نُسلّم بأن معاني وتأويلات المفردات والمصطلحات الدينية التي وردت في وسائل الإعلام الفرنسية تستمد شرعيتها من هذه النظريات أم أنها تجاوزات تأويلية لمصطلحات دينية غير جائزة ؟ لكن هل الترجمة هي المسؤول الوحيد عن التجاوزات الترجمية أم أن المؤسسات الإعلامية المصبوغة بصبغة احترافية تمارس مزايدات و تجاوزات ترجمية مع أنها غير مؤهلة لتمارس تأويلات من هذا القبيل في مزاولتها لهذه المهنة؟ من المعلوم أن كل المؤسسات الإعلامية لديها فريق متخصص بالترجمة، ومن المعروف كذلك أن بعض المصطلحات قد لا تحتاج إلى مختصين والبعض ينبغي فيها استشارة ذوي العلم بها، غير أن مزاولة ترجمة المصطلحات ذات التعقيدات العميقة والتأويلات الفلسفية قد تكون لها عواقب كارثية على المؤسسات أو على المفردات المترجمة، وهذا هو حال المصطلحات التي ذكرناها أعلاه. و قد يكون لبعض المؤسسات مشروعاً ايدلوجياً محدداً ما قد يدفعها لمزاولة إعلاماً متحيزا فتعمل على تشويه المصطلحات التي تنقلها تارةً بصبغة دينية أو طائفية وتارة بصبغة علمية ومنهجية لتوجيه الرأى العام. وهذا ما قد نلحظه عند متابعة بعض القنوات الإعلامية ذات الحرفية العالية التي تعتمد على العقل في نقل الأخبار، فتصبح المفردات كواحدة من أدواتها التوجيهية، وكذلك هو الحال في القنوات العادية التي تلجئ للنقل عن هذا القنوات الإخبارية. ستركز هذه الورقة على قنوات فرنسية كقناة BFM TV و قناة 24 FRANCE وقناة ARTE و5 France ، التي عادة ما تقوم بترجمة بعض الخطابات أو تستخدم مفردات كتلك الواردة أعلاه في غير معانيها، بينما البعض الأخر يحرص على العودة إلى تأويلات مُستشهَد بها دينياً.
ومن خلال المحاور المذكورة أدناه، سنناقش أشكالية هذه الورقة التي تركز على عملية النقل والعقل في تأويل المفردات الدينية المرتبطة بالعنف الطائفي والديني في وسائل الإعلام.
خطة البحث
١ـ ترجمة مفردات مرتبطة بالإرهاب من العربية إلى الفرنسية والتجاوزات الكبرى في التأويل
٢ـ دور الإعلام الغربي في المزايدات على معاني المفردات
٣ـ عودة بعض المفردات العربية إلى الإعلام العربي بعد مرورها بمرحلة الانحراف “السيمانتيكي” واستعمالها بحلتها الجديدة ودور الإعلام العربي في توطيد هذه المعاني.
كلمات مفتاحية: تأويل، انحرافات سيمانتيكية، إعلام، إرهاب، معنى، مصطلحات
المراجع