تأثير العولمة على إنتاج المصطلح و إدارته
د. رضوان كبيش
(فرنسا)
الملخص
إن امتلاك الإنسان للفطرة اللغوية، هو الذي مكنه من السيطرة على مختلف جوانب الحياة، مقارنة بالمخلوقات الأخرى التي لم تتمكن من ذلك نتيجة افتقادها لهذه الغريزة. فبحكم تغير نمط المعيشة، صار التعامل اليومي مع أشياء جديدة، -غزت الحياة اليومية للمواطن العربي- لا مفر منه. إلا أن أسماء هذه الأشياء غير معربة – خاصة ما يتعلق بالعلوم التكنولوجيات الحديثة – مما سبب تخلفا لغويا خطيرا، أي المنتجات والبضائع التي يراها أي مواطن معروضة أمامه ولا يعرف أن يسميها مع أنها دخلت حياته.
نسمع الكثير عن أخطار العولمة، وتأثيرها على اللغة العربية و هيمنة اللغة الانجليزية ، حتى أن هناك من يعتبرها العدو المباشر الذي يهدد حياة ووجود اللسان العربي ، و هناك من يبكي أو يتباكى على حال العربية و تقصيرها عن مواكبة العصر.
أين تكمن العلة؟ هل في اللغة نفسها؟ أم أن اللغات الأجنبية و الإنجليزية خصوصا، بلغت من القوة و الانتشار بحيث لم تعد تستطيع أية لغة أخرى مقاومتها؟
إننا نعتقد أن المشكلة الحقيقية ليست في اللغة في حد ذاتها، و إنما في أصحاب هذه اللغة. و قد صدق الشاعر إذ قال: إن اللغات جميعها عملاقة *** مالم يكن أصحابها أقزاما
إن إدخال كلمة معينة في لغتنا، بالتعريب أ و بالوضع، يتطلب -من المترجمين و مجامع اللغة- دراسة موقع المصطلح الجديد في المحيط العام و الخاص، كما يتطلب استشراف و توقع العلاقات التي ستربط هذا المصطلح بكلمات اللغة العربية من حيث الصوت و الدلالة و البنية النحوية و غيرها. لذلك فإن إدخال مفاهيم جديدة في الواقع السوسيوثقافي يتطلب إستراتيجية معقدة تأخذ بعين الاعتبار كل الجوانب الفكرية والثقافية و التاريخية و الحضارية …، التي تدخل في عملية انتقال المصطلح من اللغة الاجنبية الى العربية.
إن خلق كلمة جديدة يعني بالضرورة العمل الجاد على انتشارها و استعمالها و تداولها بشكل طبيعي في الحقل اللغوي و الواقع الثقافي الخاص بها، و بالتالي يتم ادماجها ككلمة من كلمات اللسان. و لذلك فالمصطلح الجديد لا يدخل حيز اللغة بقرار سياسي يتخذه اصحاب سلطة سياسية معينة، بل بتواتر استعماله و تزايد الحاجة إليه في العمليات التواصلية أو الإبداعية المختلفة .
و إذا أردنا أن نعيش و نتفاعل مع العولمة بإيجابية و من دون الانسلاخ أو الانفساخ أو الاتساخ أو الامتساخ أو التبعية و الذوبان فيها، وجب علينا أن نهتم أكثر باللغة العربية التي حملت و تحمل و ستبقى حاملة لعناصر تطورها . إن من أسباب المشكلات التي نعانيها على مستوى اللغة- و ما تحمله من متاع فكري و ثقافي و تاريخي و حضاري-تتأتى من تجنب الاهتمام بقدرة هذه اللغة على نقل كل جديد، من جهة، و من جهة أخرى، الانغلاق في بوتقة زمانية محددة من دون السماح بخروج اللغة منها، و توسيع آلياتها للقيام بوظائفها المتجددة.
يمكن وباختصار حصر الإشكالية التي يدور حولها هذا الموضوع في التساؤل التالي:
أين نحن اليوم من العولمة، وكيف يمكننا إنتاج وإدارة مصطلحات جديدة في لغتنا العربية، للحد من سيطرة وتغول العولمة، من جهة، وتأثيرها واحتكارها الحضاري، من جهة أخرى؟
ومن هنا تقودنا هذه الدراسة إلى البحث المعمق عن العقبات والتحديات التي تواجهها عملية إنتاج المصطلحات اللغوية وإدماجها في العملية الترجمية، والسبل التي يمكن أن تسلكها الجهات المختصة والمعنية لإدارة هذه المصطلحات، خاصة مع سرعة التطور التكنولوجي الهائل والتواصل الثقافي والمعرفي والعلمي بين مختلف الشعوب والأمم.
الكلمات المفتاح: عملية الترجمة، إنتاج وإدارة المصطلح، العولمة، التعريب، التطور التكنولوجي، التواصل الثقافي والمعرفي والعلمي.