الترجمة في إطار الدراسات الثقافية

فيصل الأحمر
جامعة جيجل
(الجزائر)

تشأت الدراسات الثقافية كحقل مضاد للتقسيمات الكلاسيكية بين التخصصات ، وحاربت الحدود المعهودة بين التخصصات فعانت كثيرا- خصوصا في الميدان العربي- من عسر مهمة تحديد ماهيتها، من باب كوتها تخصصا ولد في كنف علم الاجتماع، طرح قضايا فلسفية وإيديولوجيا بالدرجة الأولى، واستعمل أدوات أدبية، وتمحور حول اللغة التي هي ميدان الأدب والعمل التواصلي وميدان المعارف كلها، بل هي مدار الصراعات الحضارية كلها؛ صراعات صرنا نرى جيدا اليوم بأنها تتمحور رأسا حول الأداء اللغوي.للدراسات الثقافية تأملات وتنظيرات هامة حول فعل الترجمة تجعلنا نعمل على اكتشاف مختلف الإحداثيات المتعلقة بالهيمنة الثقافية التي تتجلى على  مستوى الممارسات الخطابية.

وهذا التأمل هو الذي تعلمناه منذ إدورد سعيد خاصة ، هذا الأخير الذي علمنا النظر صوب الترجمة خارج الإطار الكلاسيكي للمثاقفة البريئة الملساء المضيئة، مثاقفة توهمنا بحوار متعادل القوى بين جبهتين. أما أكاديمي اليوم فصار يضع الترجمة  في موضعها الواقعي الصحيح؛ على أساس كونها سلاحا لمواجهة الضعيف لهيمنة  قويّ ما، فكأن الثقافة الراغبة في الهيمنة والضغط تعمل بواسطة الترجمة على فرض وجودها وإلقاء الضوء على خصوصياتها ومحاولة الخروج من دائرة الانعزال المسلط عليها، وقد حدث شيء كهذا في بدايات العصر الذهبي للترجمة في الثقافة العربية، إذ يبدو أن أسماء المترجمين آنذاك: يوحنا بن ماسويه، ابن البطريق،ابن مطر، عبد الله ابن المقفع … وتراجمهم ليست بمعزل عن اختياراتهم الثقافية من حيث التسليم والقبول والرفض، ويكفينا لفهم هذا الأمر أن نتساءل عن أنماط من التآليف التي كانت معروفة في العالم القديم وعن السبب الثقافي وافيديولوجي لعدم نقلها.

حول هذه المحاور وفي إطار الأفق المنهجي للدراسات الثقافية ننوي الاشتغال في مداخلتنا هذه.

كلمات مفتاحية: الترجمة- اللغة- المثاقفة- الهيمنة – حوار الحضارات- نظرية الثقافة- الاستعمار- الإيديولوجيا- القومية- العولمة.