دراسات الترجمة من النسق اللغوي المغلق إلى الأفق التداولي المفتوح

بوسحابة رحمة
جامعة معسكر
(الجزائر)

ارتهنت دراسات التّرجمة في بداياتها للمقاربات اللّغويّة، حيث احتضنتها اللسانيات في المراحل الأولى لتأسيسها فزوّدتها بمنهج علمي صارم أعانها في  معرفة بنية اللّغات وخصائصها وسُبل التواصل والتقريب بينها، واستكشاف معاني النّص المراد ترجمته، حتّى أصبحت الترجمة فرعا من اللسانيات يتبنّى رؤيتها للمعنى ومنهج بلوغه، عبر تهميش كل ماعدا البنية اللغوية في التحليل، فكان السّياق وعوامله مجتمعة،ضحيّة هذا التوجّه في الدراسات اللسانية والترجميّة على حد سواء، على الرغم من دوره المفصلي في استقاء المعنى  في النّص الأصلي  ونقله إلى اللغة المستقبِِلة.

          وقد كان هذا الإقصاء وتداعياته على العملية الترجمية، عاملا أساسيا في تجاوز دراسات الترجمة للمقاربات اللسانية البنيوية، والاستعانة بمقاربات أخرى تفتح آفاق الترجمة على الفضاء العام الذي يدور فيه النّص الأصلي والنّص الهدف، وذلك بإعادة الاعتبار للسياق بعوامله المختلفة،من المرسِل والمتلقي والظّروف الخارجية التي يُنجَزُ ضمنها الخطاب المراد ترجمته والخطاب المُترجَم، أو ما يسمّى جمعاً “بالبعد التداولي” الذي بدأت تقترن به المقاربات المعاصرة في الترجمة، وعلى رأسها المقاربة الوظيفيّة.

         غير أنّ استحضار البعد التداولي عند الترجمة ليس بالأمر اليسير والمباشر، بل هو عمليّة مركّبة تقِف دونها صعوبات جمّة، ذلك أنّ هناك قوالب نظريّة، تتعلّق بإنجاز الخطاب واستعمالاته، يصعُب ضبطُها عمليّا،مثل قصد المرسِل، وقوابل المتلقي النفسيّة والثقافيّة، والظروف التاريخية والاجتماعيّة التي تجري في إطارها  العملية الخطابيّة الأصليّة، وما تطرحُه من تعقيدات عند نقلها إلى إطار تخاطبي جديد عبر التّرجمة.

          وستكون هذه الورقة محاولة لعرض هذه التحوّلات الحاصلة في مجال الدراسات الترجميّة من اللسانيّات إلى ما بعد اللّسانيّات، وتأطيرها فكريّا باستكشاف الأبعاد الفلسفيّة الكامنة خلف إقصاء السياق وعوامله من العمليّة التخاطبيّة في المقاربات اللسانيّة، وإعادة الاعتبار إليه في المقاربات المعاصرة، وأثر ذلك على دراسات التّرجمة الذي تُرجِم إلى استهداء هذه الأخيرة بالمقاربات التداوليّة، بما تتيحه من بمبادئ وتقنيات تُستَخدم في قراءة النص الأصلي في سياقه، ونقله إلى لغة هدف بشكل لا يتعارض مع المبادئ الخطابيّة في كلا الاتجاهين، وتساهم  في الوقت ذاته في تحقّق معايير النصيّة كاملة وخاصة المتعلّقة منها بالبعد التداولي وهي : القصديّة والمقاميّة والمقبوليّة.

الكلمات المفتاحيّة: الترجمة،النّسق،الفكر، دراسات التّرجمة،البنيويّة، اللسانيّات، التداوليّة، السّياق، مبادئ التداوليّة، القصديّة، المقاميّة، المقبوليّة.