الترجمة الآلية بين الضوابط اللغوية والقيود التقنية

زهيرة كبير
جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان
(الجزائر)

تحتل الدراسات الترجمية مكانة مركزية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، فالكم الهائل من البحوث والنظريات التي شهدها هذا الحقل العلمي مطلع خمسينات القرن الماضي جعل الظاهرة الترجمية في مقدمة انشغالات الباحثين في علوم اللغة وفي العلوم الأخرى، ناهيك عن عدِّها الجسر الذي يمد أواصر مختلف التخصصات العلمية، بحيث تم التطرق إلى هذه الظاهرة من مختلف الزوايا، فمن الباحثين من درسها من منطلق فلسفي، ومنهم من ركز على الجانب اللغوي المحض، ومنهم من كب على دراسة الجانب المعلوماتي والتقني، إن هذا الفيض في محاولة تأسيس إطار نظري للظاهرة الترجمية نجم عنه وفرة في النظريات التي حاولت إنارة الطريق للمترجم لسبر أغوار النص، وإخراجه من العتمة إلى الوضوح.

ومع ما يشهده العالم من انفجار معرفي وتطور تكنولوجي، أصبح استعمال التكنولوجيا بمختلف أجهزتها أمرا حتميا، كما ساهمت الانترنت في تسهيل تواصل الشعوب على اختلاف ألسنتهم، وزاد هذا من اللجوء إلى الترجمة الآلية. فقد اكتسبت الترجمة الآلية قوة كبيرة في السنوات الأخيرة للأسباب السابقة إضافة إلى أن نظم الترجمة الآلية أصبحت رخيصة التكلفة ويمكن الوصول إليها بسهولة من قبل عدد كبير من المستخدمين والنظم.  وزادت أهمية الترجمة الآلية كنتاج لتكنولوجيا العصر والتطوير العلمي الحالي، فالاقتصاد الدولي والعلاقات السياسية والرفاهية ومختلف الأمور التي تُعنى بحياة الإنسان ومعارف الشعوب كلها أمور تعتمد على المعلومات المشتركة. ولم يحدث في التاريخ أن كان هناك حاجة ملحة لتحطيم العوائق اللغوية مثلما هو الآن.

إن معالجة اللغات الطبيعية بواسطة الحاسوب، كما يعتقد المهتمين من العلماء والدارسين، تتطلب استعمال مفاهيم ذات أصول معلوماتية كمفهوم الخوارزم الذي يعتبر ضروريا لوصف ميكانزمات اللغة تحليلا وتوليدا. ومن هنا تأتي نظريات تقر بتطوير أنحاء صورية تكون قابلة للاستعمال على شكل خوارزمي يشبه إلى حد ما لغات البرمجة الاصطناعية ستكون لا محالة أسلوبا إجرائيا لبناء آلة مترجمة تماثل بحق الترجمة الطبيعية.
ومن الجهود التي أثمرت البحث في هذا الميدان نجد أعمال الرياضيين واللسانيين والمناطقة الذين أفادوا وأغنوا كثيرا أبحاث اللغات الطبيعية ومعالجتها وظهرت نماذج، إثر ذلك، أكثر تعقيدا وأكثر تطورا لتقييس اللغة.

وعندما صمم الحاسوب الرقمي الثنائي خلال الأربعينات، بدأت المحاولات الأولى للترجمة الآلية بإنشاء قاموس آلي ثنائي اللغة يساعد على ترجمة كلمة مصدر بكلمة هدف. غير أن النتائج ظلت ضعيفة فتم التفكير في إدخال قواعد لغوية إلى الحاسوب تضم السمات الدلالية والنحوية والصرفية للمفردات. وعلى الرغم من هذه المجهودات، طرحت الترجمة الآلية مجموعة من المشاكل اللغوية وخاصة الدلالية والتداولية والتأويلية منها، فاقترح نظام لتحليل المادة اللغوية تحليلا معجميا وتركيبيا ودلاليا، مع القيام في الوقت نفسه بوضع معادلة هذا التحليل في اللغة الهدف. ولذلك وجب على الحاسوب التوفر على عناصر لاستقبال المادة اللغوية وتحليلها وأخرى للتعامل مع القواعد المخزونة في ذاكرته ثم تحويل هذه المادة إلى لغة ثانية. وما يقال في هذا الشأن عن اللغات الأجنبية ينطبق أيضا على اللغة العربية، فقد ساهم الباحثون العرب والأجانب في إثراء البحوث في اللغة العربية، وقد ساعد في ذلك تقدم الدراسات اللسانية، وانتشار الابتكارات العلمية والتقنية. كل ذلك أدى إلى ظهور مجالات علمية جديدة تتداخل فيها الدراسات اللغوية بالدراسات العلمية والتقنية من أجل تطوير اللغة العربية ومعالجتها آليا. وقد حققت إثر ذلك العديد من الإنجازات والتطبيقات الحاسوبية إلا أن الترجمة الآلية من وإلى اللغة العربية ما زالت تواجه الكثير من العوائق، وسنقوم في هذه المداخلة بتسليط الضوء على الحلول المقترحة والمقاربات المناسبة من أجل تجاوز تلك الصعوبات والعوائق.

الكلمات المفتاحية: الترجمة – الحاسوب – اللغة – اللسانيات – الانترنت