1 – العلاقة بين المفهوم ( concept ) والمصطلح (terme):
لا شك أن لكل علم من العلوم مجموعة من الركائز التي يستند إليها ويقوم عليها، سواء على مستوى المفهوم، أو المصطلح. وتواجه العلوم الإنسانية الكثير من الإشكالات لا سيّما إشكالات المنهج والمصطلح إذ كثيرا ما يكون المصطلح مثاراً للجدل سواءً بالنزاع حول لفظه أو مفهومه أو حولهما معاً.
وقد أصبحت المصطلحات اليوم أدوات في الصراع الحضاري والفكري بين الأمم، والرواج غالباً لمصطلحات الأمم الغالبة خاصة مع خمول الأمم الأخرى علمياً بالمفهوم الخلدوني “إن غلبة اللغة بغلبة أهلها، وإن منزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم“ ففي الأمم المستهلكة يشعر كل فرد من أبنائها بضعف في تخصصه، وإذا شعر بذلك خشي أن يفكر أو يبتكر، لأنه يرى غيره أقدر منه على الإبداع والابتكار، فالمعرفة تخلق الثقة، وكلما وثق المرء بنفسه اعتزَّ بها، وأقدم على عمل ما يريد دون تردّد.
ولهذا بلغت أهمية المصطلح الذروة نظرا لوظيفته اللسانية في الكشف عن مدى عبقرية اللغة واتساع معجميتها، و الوظيفة التواصلية، إذ أن اللغة الاصطلاحية نخبوية لا مبّرر لها لوضعها قيد الاستعمال مع عامة الناس الذين لا يملكون سبيلاً، والوظيفة المعرفية لكون المصطلح لغة العلم والمعرفة، ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن قدامى العرب سمّوا المصطلحات مفاتيح العلوم، فبرزت مصنفات المتقدمين منها: (التعريفات) لـ”لجرجاني”، و(كشاف اصطلاحات الفنون) لـ”محمد بن علي التهانوي”.
وفي العصر الراهن صار المصطلح علماً مستقلاً بذاته– بوصفه أحد فروع علم اللغة التطبيقي- يعرف بالمصطلحية (Terminologie) وهو عبارة عن <<حقل المعرفة الذي يعالج تكوين التصورات وتسميتها، سواء في موضوع حقل خاص أو في جملة حقول المواضيع>>1
ولسنا في حاجة إلى توضيح أهمية دراسة علم المصطلح، ولكن يكفي في هذا الصدد القول: إن معرفة مصطلح علم من العلوم من شأنها أن توحِّد بساط البحث الذي من الممكن أن يلتقي عليه الباحثون، وتسهم بشكل فعَّال في التنسيق بين مختلف أبحاثهم ودراساتهم. كما أنها تزيد من اتصال القارئ العادي غير المتخصص بهذا العلم أو ذاك نتيجة القضاء على الاضطراب المصطلحي.
وقد سبق الغرب إلى الاهتمام بهذا المجال المعرفي الحديث نسبياً، بَيْدَ أنَّ هذا العلم <<لم يتأسس بصورته المعروفة اليوم إلا في بدايات القرن العشرين>>2 و يرجع الفضل للعالم النمساوي “يوجين فوستر”
( 1898– 1977) << في وضع أساس النظرية العامة للمصطلحية وتطويرها >>3
فحدد مجالات علم المصطلح العام أو النظرية العامة لعلم المصطلح تحديداً اتسعت مجالاته بتقدم هذا العلم، فيتناول علم المصطلح العام “طبيعة المفاهيم، وخصائص المفاهيم، وعلاقات المفاهيم، ونظم المفاهيم، ووصف المفاهيم، وطبيعة المصطلحات، ومكونات المصطلحات، والعلاقات والرموز، وأنماط الكلمات، والمصطلحات، وتوحيد المفاهيم، والمصطلحات ومعجمات المصطلح (…) أما علم المصطلح الخاص فيتضمن شكل القواعد الخاصة بالمصطلحات في لغة مفردة مثل اللغة العربية أو اللغة الفرنسية أو اللغة الألمانية”
أ) –ماهية المصطلح وضوابطه:
ثمة تعريفات حديثة تربط المفهوم بالمصطلح الدال عليه، منها: “لمصطلح كلمة أو مجموعة من الكلمات من لغة متخصصة ]علمية أو تقنية.. إلخ[ يوجد موروثاً أو مقترضاً ويستخدم للتعبير بدقة عن المفاهيم وليدل على أشياء مادية محددة”4. وهذا التعريف يجعل المصطلح غير مقصور على الكلمة المفردة، فالمصطلح قد يكون من كلمة أو مجموعة من الكلمات، وأن يكون واضحا مطابقا للمفهوم و هذا ما يشير إليه هذا التعريف << المصطلح اسم قابل للتعريف في نظام متجانس؛ يكون تسمية حصرية – تسمية لشيء- ويكون منظماً في نسق ويطابق دون غموض فكرة أو مفهوما>>5
وبتقديم التعريف الأوربي المتفق عليه من قبل المتخصصين في علم المصطلح، وهو <<أنّ الكلمة الاصطلاحية أو العبارة الاصطلاحية: مفهوم مفرد أو عبارة مركبة استقر معناها، أو بالأحرى استخدامها وحُدِّد في وضوح. هو تعبير خاص ضيق في دلالته المتخصصة، واضح إلى أقصى درجة ممكنة، وله ما يقابله في اللغات الأخرى، يرد دائماً في سياق النظام الخاص بمصطلحات فرع محدد، فيتحدد بذلك وضوحه الضروري>>6 ، ومن يمعن النظر في هذه التعريفات يجدها تركز على معايير المصطلح و هذا ما سنأتي على ذكره.
ب) ـ معايير المصطلح:
ذهب علماء الاصطلاح إلى وضع جملة من المعايير نوجزها فيمايلي:
1ـ الوضوح: و يتعلق بالجانب المفهومي والتصوري للمصطلح .
2 ـ الدقة: يتطلب المصطلح عدم التباس المفهوم ولا يتداخل مع غيره في ميادين أخرى
3 ـ الإيجاز: الأصل في المصطلح أنه كلمة مفردة ولكن الاستثناء وهو عبارات اصطلاحية.
4ـ التقابل: وجود ما يقابل المصطلح في اللغات الأجنبية.
5 ـ يسر التداول: بمعنى سهولة اللفظ و قصره مما ييسّـر تداوله
6ـ شيوع المصطلح وذيوعه: فالمصطلح النقدي عملة قابلة للتداول ملتزمين بذلك المقولة الشائعة:
“خطأ شائع خير من صواب مهجور – بل قل مجهول-“.
7 ـ لا بدّ أن يرصد لمفهوم واحد مصطلح واحد وأن يكون لكل مصطلح واحد مفهوما واحدا “استعمال المصطلح في أكثر من مفهوم، أو إطلاق أكثر من مصطلح على المفهوم الواحد”7، مثل:
مفهوم واحد (Intertextualité) تقابله عدة مصطلحات (التداخل النصي، هجرة النصوص، البينصيّة، التناص)، ومصطلح واحد ( موضوعية) مقابل عدة مفاهيم ((thème – objectivité
8ـ التطابق الدقيق للسياق الذي يرد فيه المصطلح في النصوص المترجمة مع السياق الذي ترد فيه المصطلحات االمنقولة في النصوص العربية.
ج) ـ المقارنة بين الكلمة و المصطلح:
تجدر الإشارة إلى أن نتساءل، هل كل كلمة هي مصطلح؟ الإجابة بلا شك أنها ليست كذلك، وذلك لجملة من الاعتبارات هي:
1ـ ففي الكلمة تجوز ظاهرتي الاشتراك اللغوي والترادف.
- الكلمة تفهم من السياق في حين أن المصطلح يفهم خارج السّياق
3 . للكلمة دلالات متعددة وإيحاءات مختلفة تختلف باختلاف الثقافة، بل باختلاف الحقب التاريخية داخل الثقافة الواحدة. في حين أن للمصطلح شحنة / قيمة مفهومية لا تزيد ولا تنقص.
4ـ الكلمة وحدة معجمية عامة والمصطلح وحدة معجمية خاصة
2 – إشكالية الإنتاج المعرفي للمصطلح النقدي العربي المعاصر:
تستلهم الحداثة العربية أدواتها المفاهيمية الإجرائية من المنجز الغربي، وذلك في محاولة للإنتاج المعرفي في المصطلح النقدي المعاصر تحقيقا للشرعية العلمية.
فلا يمكن فصل المصطلحات النقدية المعاصرة و قراءتها بعيدا عن منظوماتها بحيث تشكل نسقا، يتجلى في المنهج و الرؤية كإجراء للممارسة والاشتغال النقدي إذ الحديث عن المصطلح يعد أداة ومكوِّنا أساسيا لقيام المنهج. ومن الأهمية بمكان أن نتحدث عن مرجعيّتين معرفيتين للمنهج هما:
أ)ـ المرجعية الفلسفية: إن المناهج النقدية الحداثية ممثلة في النموذج البنيوي أو السيميائي
(Sémiologie) ارتبطت بالفلسفة، فالمنهج البنيوي يقوم علي الفلسفة الوضعية الداعية إلي التجرِبة فهي إذا تهدف إلي الدقة والموضوعية، أما المنهج السميائي / السميائية عند “بيرس” فقد تأثر بالمنطق، أمّا استراتيجية التفكيك (Déconstruction) فتضرب بجذورها في الفلسفات الغربية المعاصرة من الوجودية والفيمينولوجية.
ومن هنا يتضح أن استيراد المناهج السابقة لا يطرح إشكالية تكييف مصطلحاتها التقنية فحسب، بل يطرح أيضاً تحيين المفاهيم و أقلمتها في التربية العربية << فاستنبات تلك المفاهيم المنقولة بصورة كلية أو جزئية تستوجب الإحاطة بخلفياتها المعرفية / الإبستيمولوجية >>8
ب) ـ المرجعية اللسانية: يمكن أن نتوقف عند الثورات الثلاث الكبرى مع رائد اللسانيات الحديثة العالم السويسري ” فردينانذ دي سوسير Ferdinand De Saussure” (1857 – 1913) وثورة “نوام تشونسكي Noam Chomsky ” (1928) في النصف الثاني من القرن العشرين، أما الثورة الأخيرة فكانت في الربع الأخير من القرن العشرين، وهي التداولية (Pragmatique)مع “جون روجرز سيرل John Rogers Searle ” و” جون أوستين John Austin” في الولايات المتحدة الأمريكية.
وهكذا بعد الاستيعاب و تمثل المفاهيم و المصطلحات تمّ بناء تلك المناهج في حين، تسابق النقاد العرب الحداثيون إلي تبني تلك المناهج دون التسلح بالمرجعيتين الفلسفية و اللسانية الأمر الذي تسبب في إشكالية غموض المصطلح النقدي العربي الذي تراوح بين الفعل المعرفي وغربة المفهوم.
3 ـ المصطلح النقدي العربي بين الفعل المعرفي وغربة المفهوم :
يعيش الوطن العربي لحظة تأخر حضاري (Décalage civilisationnel) عن الزمن الحضاري الغربي، مما جعله يعاني اضطرابا فكريا ناتجا عن محاولة اللحاق بالركب الحضاري بالقفز لتخطي محطات التطور المرحلي. وهذا ما عبّر عنه الناقد الإنجليزي قائلا: “تطور الحركة الأدبية والثقافية في العالم العربي في القرن العشرين، عبارة عن وثبات من مدرسة إلى أخرى دون تسلسل منطقي وتدرج طبيعية (…) فعلى عكس حركة الأدب في أوربا التي حدثت نتيجة التطورات الاجتماعية في حد ذاتها. لذلك فمن الأفضل أن يكون التطور من أصل الثقافة وليس منقولا عن الغير”9
ثمة فجوة ستظل تتسع بين الأصل النص الغربي والنص الوافد الترجمي، وهنا نتساءل هل ما قدّمه النقاد الحداثيون مجرد نسخ مشوهة عاكسة لمناهج ومصطلحات غربية في مرايا محدبة، أم علينا الأخذ بالتطور وفق ما يتلاءم مع طبيعة تصورنا من منطقة قوّة ومركز اقتدار، ومن هنا فالصراع لا يعدّ فوضى مصطلحية وحالة مرضية بل يمكن عده علامة صحية تعيشـها أُمتنا كـما ذهب إلـى ذلك “عبد السلام المسدي” قائلا: “الاصطراع المصطلحي الذي تشهده اللغة في أي فترة من فترات حياتها، إنما هي علامة صحية، كما نؤثر اليوم أن نقول، لأنه دليل على أن تلك اللغة ومعها أهلها واقعة في خضم احتكاك الحضارات، تواجه بقدم راسخة حوار الثقافات في أعمق مدلولاته”10
إذا فالأزمة ليست أزمة مصطلح وترجمته، ونقله إلى العربية بل أزمة الثقافة التي أفرزت ذلك المصطلح أزمة اختلاف حضاري، وثقافي بالدرجة الأولى، وثانيا غياب التنسيق في وضع المصطلح النقدي وذلك إما لتعدد في جهات الوضع من (مجامع لغوية، لجان للترجمة والتعريب، جامعات، اتحادات علمية، باحثون، لغويون…) أو لتعدد في آليات صناعة المصطلح (الاشتقاق، النحت، التعريب، الاستعارة، الاحياء الترجمة…) أو لتعدد في مصادر المصطلح (بين مصطلحات فرانكفونية/فرنسية في أقطار المغرب العربي وأنجلوسكسونية/ إنجليزية في المشرق العربي) أو لعدم استفادة اللاحق من السابق لانقطاع التواصل.
ولعل شيئا من إيثار العناد أن يكون من وراء هذا التعدد، رغبة كل فئة – وهذا من دواهي الأمور- بأنها أحق أن تتبع، و أنها من ثم لابد أن تبدع لنفسها مصطلحا خاصا بها. لا يهمّ إن وافق الدقة أم لم يوافق. وليس من وراء هذا نفع للعلم، لأنه قد جاوز العلم منطلقا و غاية له.
وهذا من شأنه إرباك القارئ العربي، فضلا عن مساهمته في إشاعة أزمة الصراع بين المشرق والمغرب مما يضيع فرصة استفادة البلد العربي الواحد مما أحرزته البلدان العربية الأخرى في مجال النقد الترجمي مما يشجع العودة إلى المصطلح الأجنبي كوسيلة للتواصل.
4 ـ صناعة المصطلح النقدي:
لا مراء في أن صناعة المصطلح من المسائل المهمة في التأسيس للمنهج النقدي، خاصة مع بروز الاتجاهات النقدية النسقية إن على مستوى التنظير أو الممارسة النصية مواكبة للمشهد النقدي العالمي. وضمن هذا المعطى، أفضى التّعامل مع المصطلحات يستند إلى مجموعة من الآليات، ووسائل صناعة المصطلح نوردها مرتبة على حسب أهميتها في اللغة العربية: الاشتقاق، الترجمة، التعريب، النحت.
أ) ـ الاشتقاق: (Dérivation) *
يعد من أهم الآليات المستعملة في مواجهة المفهومات المستحدثة في النقد العربي المعاصر وقد عرفه “السيوطي” بأنه:”أخذ صيغة من صيغة أخرى مع اتفاقهما معنى ومادة أصلية وهيئة تركيب لتدلّ بالأخيرة على معنى الأصل بزيادة مفيدة لأجلهما اختلفا حروفا أو هيئة كضارب من ضرب، وحَذِرٌ من حذر”11
فيتمّ الاشتقاق بأخذ مادة / جذر لغوي من بطون المعاجم العربية وإخضاعها للميزان الصرفي وفق أوزان مطّردة و أخرى سماعية.
وهناك ثلاثة أنواع من الاشتقاق يمكننا صوغ المصطلح منها وهي: الاشتقاق الصغير والاشتقاق الكبير والاشتقاق الأكبر، ومن أجل هذا توصف اللغة العربية بأنها لغة اشتقاقية بامتياز.
فالاشتقاق بهذه الصورة هو إحدى أنجع السبل لنمو اللغات وضمان اتساعها وثرائه، ما يمكنها من التعبير عن كل جديد.
ب) ـ التـرجمــة: (Traduction)
إن لعلم الترجمة أهميته في التعامل مع المصطلح، بوصفه المرآة التي تعكس فهم المصطلح في لغته الأمّ، ثمّ ننقله إلى المتلقي في اللغة الهدف، وعليه فهناك علاقة بين علم الترجمة وعلم المصطلح إذ أن لكل مصطلح ما يقابله في اللغات الأخرى،إضافة إلى انتمائهما إلى مجال علم اللغة التطبيقي.
فالأمر لا يتعلق بمسألة المصطلحات وترجمتها وحدها، بل إنها مشكلة الواضع قبل أن تكون مشكلة المترجم؛ فقبل أن يقف المترجم حائراً في أية كلمة يختار في مقابل هذا المصطلح الأجنبي أو ذاك، وقف المؤلف حائراً في أي مصطلح يختار للتعبير عن مفهوم جديد لم يُسْبَق إليه في ميدانه.
ولا ينجلي المقصود إلاّ بمجالسة الأخصائي في الميدان قصد الاستفسار، ومناظرته قصد التعرف”وقد يكون ذلك عبر- المعاجم المصطلحية – ومن ثم نتمكن من الفهم العميق للمصطلح بما يؤدي إلى إيجاد المقابل المناسب له”12
ج) ـ التعـريــب:(Arabisation)
التعريب عند اللغويين عملية صوتية، و يعدّ سيبويه (181هـ) “أول من أجازه على غير أوزان العرب، وقد سمَّاه إعرابًا. كما تحدث عن طريقة العرب في التعريب مشيرًا إلى ما كان العرب يغيّرونه من الحروف الأعجمية من إبدال أو تغيير حركات أو حذف لإلحاقها بالأوزان العربية. كما لفت النظر إلى ما أخذه العرب من اللغات الأخرى وأبقوه على حاله دون تغيير”13
وعلى هذا الأساس، فالتعريب عملية إخضاع كلمة أجنبية للنظام الصوتي العربي وهذا ما قصده قديما” الجواهري” بقوله: “تعريب الاسم الأعجمي أن تتفوّه به العرب على منهاجها”14، ويؤكد “السيوطي” المعنى قائلا: “المعرَّب: ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوع لِمَعَانٍ في غير لغتها”15 ولم يَحِد “التهانوي” عن التعريفين كثيرا، حيث قال: “المعرّب عند أهل العربية: لفظ وضعه غير العرب لمعنى استعمله العرب بناء على ذلك الوضع”16
وتعريب المصطلحات النقدية من أسهل الطرق لانتقال المصطلحات الوافدة و هذا ما يشجع الكسل الترجمي.
د) ـ النـحــت:
ظاهرة لغوية عرفته اللغة العربية قديما، وقد احتاج إليه العرب لتعويض جمل كثر تداولها على ألسنة الناس مثل: البسملة تعوض بسم الله الرحمن الرحيم والحوقلة لتعويض لا حول ولا قوة إلا بالله، ومن هنا فالنحت هو “أن تعمد إلي كلمتين أو جملة فتنتزع من مجموع حروف كلماتها كلمة فتدل علي ما كانت تدل عليه الجملة نفسها”17
فيقوم النحت على إسقاط بعض الحروف من كلمة و الإبقاء على بعضها مع العلم أن << عملية النحت ظاهرة سماعية يقتصر على ما ورد من الكلمات في اللغة، إلا أن جهود بعض المجامع اللغوية جعلته قياسا وبخاصة فيما تعلق بأسماء الهيئات و المؤسسات و بعض الأجهزة العلمية و المركبات الكيميائية>>18
ويتوقف نجاح الكلمة المنحوتة على حسن جانبها الصوتي و قدرتها على الإيحاء بالمعنى الأصلي ونجد أن هذه الظاهرة مستفحلة في الكتب النقدية لـ “عبد الملك مرتاض” في تحديد بعض المصطلحات السردية والسيميائية، ومن أمثلة ذلك: (الركبرة) الذي يقابل به المصطلح الأجنبي (syntagme) المنحوت من الفعلين(ركَّبَ وعبّـر) و( البدعدة) المصطلح المنحوت من الفعلين: (بدأ وعاد) ليقابل به المصطلح الأجنبي الفرنسي (récurrence) والسبب في عدم اعتماد اللغة العربية على النحت لما تتعرض له المنحوتات من استبدالات كثيرة على مستوى المجامع و اتحاد المجامع و مكتب تنسيق التعريب بسبب استثقال بعض الأشكال، كما أن العربية لغة اشتقاقية – كما قلنا سابقا- أضف إلى ذلك أن اللغة العربية لغة مقتصدة، فالبنية المورفولوجية للجذر ثلاثية، بينما يشيع النحت في اللغات الهندو-أوربية لكونها إلصاقية.
إذا يعتبر الاشتقاق في صناعة المصطلح الوسيلة المستجيبة لخصوصية اللغة العربية أما المصطلح المعرّب فهو الشرّ الذي لا بدّ منه حين لا بديل، وهو مظهر من مظاهر العولمة الثقافية في سياق تبادل اللغة والمعرفة.
من الممكن اللجوء إلى المصطلح المنحوت غير أنه الأقل اعتباراً لأنه على صلة واهية باللغة العربية، وقد ينفع اللغة بإثرائها بالمفردات ويسيء إليها بالإكثار من المفردات المبهمة فيها.
وربّ معترض يعترض لإسقاطنا لآلية المجاز في صناعة المصطلح فنردّ ذلك بكون المجاز مقوّم من مقومات اللغة الإبداعية ونحن بصدد اللغة التقنية العلمية.
5 ـ السوابق و اللواحق في النقديات العربية: ( الأطراس منجز نصيّ):
إن اقتفاء أثر الترجمة في نقل المصطلح النقدي الإجرائي يمر عبر النظر في بنية المصطلح وأصل تركيبه واشتقاقاته، وذلك بإحداث التصدع في الأصل ورج بنائه اللفظي بغية استجلاء المفهوم، فنحن أمام مصطلحات تتشكل من سوابق و لواحق، ولما كان الأمر كذلك وجب التوقف عند مفهومها، وما هي الإشكاليات التي تثيرها عند البحث عن المقابل الترجمي؟ يمكن أن نوزعها إلى إشكاليات في لغة المصدر وإشكاليات متراكمة في لغة الهدف، نظرا لاختلاف طبيعة اللغتين بين لغة فرنسية إلصاقية و لغة عربية اشتقاقية.
ممّا يدفعنا إلى طرح سؤال جوهري:كيف تواجه اللغة العربية ظاهرة السوابق و اللواحق التي تدخل في تركيب المصطلحات الفرنسية أثناء الترجمة و النقل؟
أ) ـ مفهــوم اللواصق:( Affixes)
اللواصق عبارة عن حروف تزاد في الكلمة الأصلية/الجذر (Racine)لتضيف لها زيادة أو تخصيصا أو تعديلا في معناها. فإن كانت هذه اللواصق في بداية الكلمات فهي تسمى Préfixes وإن كانت في وسطها فهي تسمىInfixes وإن كانت في آخرها فهي تسمىSuffixes ولم نثبت مقابلا عربيا لها حتى ننص على أن الاختلاف في تسميتها بالعربية كبير.
فلقد تعددت مقابلاتها: فلفظpréfixes يترجم بـ “سوابق” و”صدور” و”لواصق قبلية” و”لاصقات قبلية” و”لواصق أمامية” و”تتويج” و “الزيادات” والبدء” الخ… ولفظ Suffixes يترجم بـ “لواحق” و”كواسع” و”لواصق بعدية” و “لاصقات بعدية” و”ذيول” و”تذييل” الخ… وInfixes يترجم بـ “أواسط” و”وسائط الأحشاء” و”لواصق متوسطة” ويترجم لفظ Affixes بـ و”لواصق” و”لاصقات”و”زوائد”الخ…
فكل هذه الزيادات من شأنها أن تضيف زيادة أو تخصيصا أو تعديلا في معنى الكلمة الأصلية، ومن هنا يمكن أن نعد اللواصق ذات وظيفة في مجال صك المصطلحات النقدية المعاصرة للتعبير عن عدة مقاهيم؛ لأنها لا تحمل إشارة مفهومية في أي علم من العلوم إلا بعد دمجها ضمن مركب من المركبات الجذريّة. (ففي هذه المداخلة نختار مصطلح السوابق واللواحق)
ب)ـ قيمة اللواصق في اللغة العربية:
ولقد شغلت مسألة السوابق على الأخص بال المعربين وأقضت مضاجعهم وحاروا في نقلها/ترجمتها مصطلحاتها حتى رأى بعضهم في هذه الزوائد الأعجمية خصيصة تمتاز بها اللغات اللاتينية على لغة الضاد التي يستحيل عليها -في نظرهم- أن تجد لها ما يقابلها من ألفاظها وذهب هذا الفريق في محاولة علاج “هذه المشكلة العويصة” طرائق قددا فمن قائل بمقابلة هذه الزوائد على شكلها الأجنبي الغربي وإلصاقها باللفظ العربي.
وفي هذا ذهب الباحثون مذاهب شتى ارتأينا أن نستخلص فكرة عن التصور الشائع بخصوص هذه المسألة.
يتعرض”مارون غصن ” لهذه المسألة داعياً إلى تطوير اللغة العربية باستخدام اللواصق، فيقول: “وما المانع أيضاً من إدخال أشد اللواصق لزوماً للغة العربية من مثل (ANTI) و(AUTO)، واللاحقتين (METRE) و (GRAFE). وما المانع أيضاً من اقتباس لواصق (AFFIXES) من لغات أجنبية؛ إذا صعب علينا إيجاد لواصق مقتضبة من جذور عربية”19
ومثل هذا الرأي الذي يقدمه “مارون غصن” لا يمكن الأخذ به، لما يمثله من مخالفة لنواميس اللغة العربية؛ فهي لغة اشتقاقية لا إلصاقية، وتمتلك من الصيغ الاشتقاقية ما يؤهلها لتوفير الألفاظ المناسبة لمختلف المفاهيم ، وكما برهنت على ذلك قديما فحريّ بها أن تفعله الآن كما أن هذه اللغة يمكن أن توفر من الصيغ ما يمكنها من حمل الدلالات التي تشير إليها السوابق و اللواصق الأجنبية؛ فاللاحقة (er) يمكن التعبير عنها بصيغة (اسم الفاعل)، واللاحقة (ing) يمكن التعبير عنها بالمصدر وهكذا…
وهناك فريق ثان يعتقد أن في اللغة العربية أوزانا تغنيها عن مقابلة الزوائد اللاتينية ومن هذا الفريق يمكننا أن نذكر “شكري فيصل” عضو مجمع اللغة العربية بدمشق و “وجيه عبد الرحمن” و” محمود الجليلي” عضو المجمع العلمي العراقي وكثيرين غيرهم.
يقول “محمد رشاد الحمزاوي” “من القضايا النظرية والتطبيقية التي ما انفكت تعترض سبيل المثقفين العرب المحدثين، من علميين، ولغويين، ومترجمين، قضية الصدور واللواحق Préfixes et Suffixes التي ترد بكثرة في اللغات الندوأوربية التي تنقل عنها العربية مصطلحات العلوم والفنون، ونخص بالذكر من تلك اللغات اللغتين الانكليزية والفرنسية، لأنهما تستمدان أغلب صدورهما ولواحقهما من اللغتين اليونانية واللاتينية.
فالقضية على غاية من الأهمية بقدر ما نعلم أن العربية، وهي لغة اشتقاقية، لا تستعمل من السوابق واللواحق إلا القليل فلقد دارت في شأنها مناقشات يطول شرحها.
أَمَّا نحن فإننا من الفئة التي ترى غِنىً عن اقتباس اللواحق اليونانية أو اللاتينية وإلصاق حروفها بأواخر مفردات عربية لتدخل الرطانة و العجمة إلى لغة الضاد لغة الفصاحة بامتياز ولقد وقف “الشيخ طاهر” الجزائري، و “يعقوب صروف” اللبناني، و “الشيخ عبد القادر” المغربي من القضية موقفا علميا متفتحا، دون أن يعالجوا مظاهرها الفنية البحتة، أي باعتبارها تكون مشكلا خاصا. فلقد أدمجوها في باب عام، وهو باب التعريب بمعناه الضيق (التعريب الاقتباسي) أما “الشيخ أحمد الإسكندري” المصري فلقد قاوم التعريب الاقتباسي مقاومة (العدو الأزرق) حسب تعبير “مصطفى الشهابي” السوري.
وحول هذا السجال يقوم عملنا على عرض اللواصق في المصطلحات النقدية الجينيتية والنظر في كيفيّة ترجمتها إلى العربية.
فنحن أمام مصطلحات مترجمة تشكل بنيتها إشكالات في البحث عن المقابل الترجمي في الساحة النقدية بين المشارقة و المغاربة.
Gérard Genette |
Intertextualité |
Paratextualité |
Métatextualité |
Hypertextualité |
Archi texetualité |
خيرالبقاعي |
التناص |
الملحق النصي |
الماورائية النصية |
الاتساعية النصية |
الجامعية النصية |
المختارحسني |
التناص |
النص الموازي |
النصية الواصفة |
النصية المتفرعة |
النصية الجامعة |
الملاحظ أن المصطلحات الفرنسية قائمة على الإلصاق (Affixation) وهو إلحاق بعض الزوائد أو (affixes) للجذر اللغوي و لا غرابة فالفرنسية لغة إلصاقية بامتياز مقابل اللغة العربية لغة الاشتقاقية و هذا ما يصعب عملية الترجمة.
ولو قمنا بتفكيك مكونات المصطلحات الفرنسية لوجدناها مركبة من:
جذر ((radical واحد (texte) ولتوليد مفاهيم جديدة اعتمد الناقد الفرنسي على سوابق
(préfixes) متنوعة تؤدي وظيفة مفهومية وهي:
Inter Para Méta Hyper Archi
واللاحقة (suffixes) ité)) التي تستعمل للدلالة على(المصدرية)، أما (A) تعد رابطا بين الجذر واللاحقة حيث أن اللاحقة عندما تبدأ بصوت صامت lité) ) فإنه لابد من وضع رابط/ وصل بينها وبين الجذر، ومراعاة للظاهرة الصوتية تمت الاستعانة بالصائت (U) الذي يسمى (La semi-voyelle) ينظر الخطاطة:

العودة إلى السوابق نجدها تشع بدلالات متنوعة في لغة المصدر وكذا في لغة الهدف.
ينظر إلى الجدول التالي:
المعاني بالعربية |
المعاني بالفرنسية |
Préfixe سابقة |
بين / العلاقات المتبادلة/ التوزيع/ التباعد |
Entre de |
Inter |
شبه/ منع. اتقاء. إلى جانب /حماية من/مواز/ نظير/ محاذاة/ مجانب/ إضافي/اختلال |
Auprès de/ vers/ contre/ à coté de |
Para |
ما يتجاوز/ما يشمل/ما يحمل/بعد/تالي/بجانب وراء |
Après/ au-delà de/ avec |
Méta |
متجاوز الحد/ أعلى درجة/ مفرط/ مبالغ .فوق درجة |
Au-dessus/ au-delà/ excès |
Hyper |
بدائي / تجاوب / درجة / حـدّ أقصى |
Degré/ extrême/ excès |
Archi |
فهذا الكـمّ الهائل من المعاني تجعل المترجـم حائرا متأملا في أيّ هذه المعاني يختار، و هذا ما ينفي الاتفاق / التوحيد في ترجمة السوابق و من ثمة تعدد المقابلات للمصطلح الأجنبي بتعدد الترجمات المقترحة للسوابق و اللواحق على حد سواء.
وبما أن المصطلح يمـر بثلاث مراحل: مرحلة التقبل (التعريب) فالتفجير (عن طريق التفكيك والتفكير) ثم التجريد ( الوصول إلى درجة النضج بالاشتقاق المفرد)
ففي ضوء هذا التصور نستطيع أن نقرأ intertextualité حيث نلاحظ اتفاق المترجمين في ترجمة المصطلح بالتناص دون محاكاة للفرنسية بإقحام اللواصق: السابقة (inter) واللاحقة (ité) وهذا ما يوضح أن المترجمين التزما بالصيغة التي استقر عليها المصطلح .
مع العلم أن هذا المصطلح ترجم عدة ترجمات منها: التناصية، التعالق النص، التفاعل النص، الحوارية، التكاتب، البينصية عند (عبد العزيز حمودة) فهذه الـ (بين) مقابل (inter ) تلوي عنق اللغة العربية لتناسب الظاهرة اللغوية في الفرنسية و السبب الذي لا نرى له مسوغا هو الاعتقاد الذي لا يقوم على أساس علمي بأن المصطلح في لغة من اللغات يجب أن يترجم بكلمة واحدة في اللغة الهدف. وقد استخدم (عبد الله الغذامي) مصطلح ” تداخل النصوص” دون الإخلال بطبيعة اللغة العربية، وأخيرا تم الاستقرار على مصطلح التناص بصيغة عربية، فالتناص مصدر قياسي على وزن تفاعل “تناصص” وقـع إدغـام الصاد الأولى في الصاد الثانية فقيل تناصّ يتناصّ تناصّا، والحق أن هذه الصيغة المصدرية لها دلالات مختلفة في اللغة من أهمها: المشاركة ، المطاوعة، التظاهر، وقوع الأمر بالتدريج ، فإذا كانت هذه الدلالات هي من أهم المعاني التي تسجلها صيغة ” تفاعل” فإلى أي مدى نجد لفظ التناص (Intertextualité) يحمل هذه المفاهيم؟
المشاركة: إن المشاركة النصية تعني لقاء نص بنص فيحدث بينهما تقاطع أو تداخل سواء حصل هذا التداخل برغبة ذاتية في المشاركة أو حصل عفوا.
المطاوعة:أما معاني المطاوعة والتظاهر فيمكن أن نلمسها من خلال قابلية النصوص للتحويل والامتصاص، فهي عجينة طيعة. فالمتلقي يمتلك قدرة قرائية بالكشف عن النصوص (ثقافة قرائية) فمن السهل على النص التخفي والانتساب إلى صاحبه الجديد الذي تبناه، ومع مرور الزمن يضيع النص الأول، و قد لا نهتدي في حفرياتنا إلى النص الأول.
ومن هنا فاللغة العربية تنزع إلى الاقتصاد اللغوي و الجهد الأقل في التعامل مع السوابق و اللواحق فكان مصطلح التناص كلفظة بسيطة مقابل المصطلح الفرنسي المركب كما أن المصطلح يحكمة التداول كعملة نقدية و كأن لفظ التناص عربي غير مترجم.
أما المصطلحات الأخرى التي استحدثها (جنيت) في الفرنسية والتي تصدرتها السوابق فجاءت ترجمتها ترجمة حرفية قاموسية و هذا رد فعل طبيعي أن الناقدين اعتمدا طريقة التماثل (Par Analogie) قابل (خير البقاعي) السوابق بما يراه مناسبا من معنى في العربية ثم ترجم حرفية للجذر (texte)
بـ (نص) و ألحق به يـاء النسبة و التـاء المربوطة كمقابل للاحقة (ité ) فجاء تركيبه :
الجامعية النصِّيـَّة الاتّساعية النصِّيـــَّة: (من النص اسم جامد (مصدر صناعي) موصوف اسم جامد صفـة ألحقت بها اليـاء و التـاء مصدر صناعي (المصدر الصناعي لما يصبح صفة يتحول إلى اسم منسوب مشتقٍ أي صفــــــة )
وهذه الطريقة أكثر منها المولدون في ترجمة اصطلاحات العلوم، وقد قرر مجمع اللغة العربية بالقاهرة قياسية صوغ هذا المصدر، إذ ليس كل ما لحقته ياء النسبة، مردفة بالتاء مصدرا صناعيا. أما مصطلح (الملحق النصي) فركبه تركيبا وصفيا.
وفي مصطلح ( الماورائية النصية) تبدو لنا جليا نزعة ( الما وراء) كجزء من انفجار “الميتــــا Méta“ وتناسلها الذي شمل جميع العلوم والمعارف الفكرية و الاجتماعية.
مع العلم أن السابقتين اللتين قبلتهما اللغة العربية دون تحفظ هما: (اللا) في اللاأخلاقية و (ما) في كلمة (الماورائيّة) قد ألحقت بها الياء المشددة و التاء المربوطة فهي مصدر صناعي ” موصوف” بمعنى جواز صياغة المصدر الصناعي من الظرف و إلحاقه بـ (أل) شذوذا كقول الراجز:
من لا يزال شاكرا على الـمـعــــه فهو حــرّ بعيشة، ذات سعـه 20
فهذه الكلمة مركبة من:[ أل + ما+ وراء+ الياء+ التاء] أصبحت مقابلا للنموذج الفرنسي القائم على الإلصاق. و الشأن ذاته لوحظ على ترجمة “عبد الواحد لؤلؤة ” لمقال “إدوارد سعيد”حين أدخل ( أل) على الفعل (يمكن) فعومل الفعل معاملة الاسم في قوله (اللايمكن) فتحول الفعل إلى الاسم وعلى سبيل الترتيب يمكن القول أن الظاهرة لم تسجل فقط على هذا المترجم بل انتشرت في اللغة العربية المعاصرة إلاّ أن هذه الظاهرة تعتبر قديما حالة شاذة و صل الفعل المضارع ب(أل) في قول الشاعر: (ما أنت بالحكم الترضى حكومته) و ذهب ابن مالك إلى جواز ذلك في الاختيار، وفاقا لبعض الكوفيين21
أما الناقد المغربي (المختار حسني) ترجم كل المصطلحات الفرنسية المركبة بطريقة التركيب الوصفي فجعل الجذر موصوفا و السابقة صفة على سبيل المثال:
النصِّيـــــــــــــــــــــــــــَّة الواصفة
النصِّيـــــــــــــــــــــــــــَّة المتفرِّعة
النصِّيـــــــــــــــــــــــــــَّة الجامعة
موصوف اسم جامد صفـــــــــــة لتوضح المعرفة
مصدر صناعي اسم فاعل يدل على الديمومة و الفاعلية
فالنص الواصف بما هو خطاب فوق خطاب -على قول( رولان بارت)- فهو لا ينتهي عند نصه الأول الإبداعي و إنما نتحدث عن إبداعية النقد و هذا ما يدل عليه مفهوم الواصف على صيغة فاعل.
إن الترجمة المغربية القائمة على مركب وصفي أدقّ من الترجمة المشرقية التي جعلت مقابلات السوابق تحتل الصدارة على سمت النموذج الفرنسي مخالفا للقاعدة اللغوية العربية في كون الموصوف هو الأصل و الصفة تابعة.
الخاتمــة:
تناولنا في هذا البحث قضية ترجمة المصطلح النقدي الغربي إلى اللغة العربية و كيف أن عدم الاتقاق على منهج ترجمي مضبوط قد أوقع فوضى كبيرة في الاستعمال وصعّب من عملية التواصل بين المشرق و المغرب. قد خصّت الدراسة مصطلحات أنماط المتعاليات النصية والترجمات المقترحة لها في اللغة العربية عند كل من” محمد خير البقاعي” و ” المختار حسني” فأسفرت على النتائج التالية:
1ـ بالمقارنة يظهر لنا أن المشرقي” خير البقاعي” اعتمد في صناعة المصطلح عدة ميكانيزمات فراوح بين إيجاد المقابل للسابقة الفرنسية و محاولة مقاربة السابقة مفهوميا، فاستوحى مباشرة التركيب الفرنسي (تقديم الصفة على الموصوف) و لعل ذلك يعود لاحتكاكه المباشر باللغة الفرنسية بحكم التدريس في الجامعات الفرنسية، في حين أن ” المختار حسني”
التزم بالقاعدة النحوية العربية فأخّر مقابل اللاحقة (الصفة ) و قدم الجذر( الموصوف) على سمت العرب لأن من وظائف الصفة التوضيح و التخصيص للأسماء السابقة لها، خلاف لما هو سائد عن جرأة المغاربة على اللغة العربية.أما على مستوى مفهوم المصطلحات فهو واحد عند كليهما.
2ـ نظرا لانعدام التواصل المشرقي المغربي يمكن أن نؤسس لفرضيتين:
– فعن الأولى يظهر من موقع كلا المترجمين و من صياغة كل منهما أن الأمر يتعلق بإثبات ذات كليهما من غير نظر لما يمكن أن يكون عليه الآخر، و إن على حساب المصداقية العلمية. فكلا النصين منظورا إليهما على جهة المقارنة لا يوفر قيما معرفية تضاف إلى المادة المترجمة.
– وعن الثانية تتضح أن إحدى الترجمتين ظل للأخرى، مما يعطي مشروعية لبعض الأسئلة منها:
استدعاء المصطلح باللغة الفرنسية / لغة المصدر تـمّ الاختلاف عنه من مترجم إلى آخر على مستوى الصياغة / بناء المصطلح إذ المعروف أن مترجمي المغاربة ونقادهم يستهلكون ما يأتيهم من الغرب/ فرنسا بحكم العامل الجغرافي والتاريخي الكولونيالي ” اللغة الفرنسية غنيمة الحرب la langue est butin de guerre>> على حدّ قول ” كاتب ياسين” ألا يعطيك كل هذا انطباعا بأن” المختار حسني” المغربي أخذ قصب السّبق في ترجمة النص وما “خير البقاعي” المشرقي إلاّ تاليـا.
إذا كان الأمر كذلك ألا ينبغي أن يكون النص المغربي أسبق إلى الوجود من النص المشرقي مما يلزم الثاني بالإحالة عليه في حال اعتماده عليه.
غير أننا ندفع هذه الفرضية و ندحضها بأخرى نراها أكثر واقعية مفادها أن ” المختار حسني” استثمر المنجز المغربي الرائد بإقدامه الجريء على نقل ترجمة ” خير البقاعي” دون الإحالة والامتثال للشروط الموضوعية والأمانة العلمية.
إذًا فترجمة المغربي تعدّ إرباكا للترجمة المشرقية السابقة، ناهيك عن عدم تحديد الأساس المعرفي المعتمد في ترجمة المصطلحات أو ما هو مبرر إعادة ترجمة المترجم إذا انعدمت الرؤية الجديدة .
لكن تاريخ نشر النصين المترجمين فعل فعله في الكشف عن أسبقية “خير البقاعي” في ترجمة مصطلحات المتعاليات النصية ضمن كتاب بعنوان ( أطراس في الدرجة الثانية) عام 1998 ثم قدم فصلا من الكتاب (طروس الأَدَبُ على الأَدَب) في مجلة (علامات في النقد) العددد 34، ديسمبر 2002 في حين ترجمة ” المختار حسني” ( أطراس الأدب في الدرجة الثانية) في فيفري 1999 ضمن مجلة (فكر ونقـد) السنة الثانية، العدد16
وهذا مردّه انعدام آليات الرقابة على النتاج الفكري من جهة ولانعدام التواصل بين المترجمين من جهة أخرى على الرغم من سهولة وصول الكتاب المشرقي إلى المغرب والعكس صحيح إضافة إلى ذلك كوننا في عصر” الأنترنيت” وهو ما من شأنه تسهيل الاتصال وبناء الروابط بين المترجمين العرب ليتبادلوا تجاربهم في هذا المجال، ومنه تقليص الفوارق والاختلاف.
من أجل كل هذا تحتاج المؤسسة النقدية العربية إلى مراجعة تصوراتها على هدي اجتهادات الهيئات الرسمية التي تضطلع بوضع المصطلحات و تأصيلها، على أن المفاضلة بين الترجمتين ليست بغرض الانتقاص من جهود أصحابها بقدر ما هي تأكيد للتواصل الترجمي الذي تحتاجه منظومتنا النقدية.
بعد هذه الرحلة يحق لنا أن نتساءل إلى أيّ حـدّ أفلح المترجمون العرب مشارقة ومغاربة وهم يترجمون المصطلحات النقدية في التقاط رمح ” نيتشه” والرمي به أبعد فأبعد؟
وفي الأخير أرجو أن أكون قد وفقت في الوصول إلى ملامح الصواب ولو في جزء يسير منه. وإن كانت ثمّة أخطاء علمية على مستوى التحليل أو معرفية على مستوى الحكم و الاستقراء، فالتقويم هو ما يتطلّع إليه الباحث؛ إذ لا وجود لحقيقة مطلقة ما دامت الدوائر الإبستيمولوجية قائمة.