ترجمة الشعر: بين التعبير والمحتوى وبين الشكل والفحوى

د. إنعام بيّوض

مقدمة

نعالج في هذه المداخلة أحد أكثر المواضيع تعقيداً في دراسة عملية الترجمة ألا وهو موضوع ترجمة الشعر. وإذا كانت ترجمة الشعر بين اللغات المتقاربة بنيوياً تتسم بالعسر، حسب المنظرين الكثر الذين تعرضوا لها، فإنها  تتوشح بصعوبة خاصة عند ترجمة قصائد من لغة أوربية إلى اللغة العربية. نعتمد في هذا العرض على بعض الأمثلة من الترجمات الشعرية المنشورة، وعلى تجربتنا الخاصة في ترجمة أربعة دواوين شعرية من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية. والدافع وراء هذا العمل هو اعتقادنا أن ترجمة الشعر تختزن جلّ المشكلات التي تصل بالعملية الترجمية إلى حدود تعذرها. حيث أن ترجمة الشعر نثراً تفترض قطع الرباط المتين بين الصوت والمعنى الذي يشكل ماهية النص الشعري. (جاكلين ريسّيه، دانتي، الكوميديا الإلهية، مقدمة وملاحظات المترجمة، في هنري ميشونيك، 1999، ص 203) في حين أن إقحام القافية يخضع النص إلى تأثير التكرار الصوتي المفرط الذي قد يقلل بدوره من أهمية المحتوى والفحوى. فإذا كان التعبير أكثر أهمية من المحتوى، فإن فحوى هذا التعبير يكتسي أهمية أكبر من شكله، على حد تعبير أمبرتو إيكّو (2004). لكن الترجمة الشعرية الجيّدة هي تلك التي تحل هذه المعادلة وتميط اللثام عن كل مجاهيلها. وهي على حدّ تعبير أمبرتو إيكو محاولة استيعاب ثقافي، جسر يربط بين لغتين ويسمح بالعبور منه لاكتشاف الآخر. فما هي المعايير التي تعطي الترجمة جودتها؟ وكيف نقدّر حجم التضحيات اللازمة لإنتاج ترجمة شعرية جيّدة؟ وما هي هذه التضحيات؟

إذا افترضنا أنّ عملية الترجمة تقوم على ثلاث ركائز: المترجم والنصّ والمتلقي. فإن نجاح هذه العملية يعتمد أساساً على الركيزة الأولى ألا وهي المترجم لأنه الوسيط المفاوض بين النص والمتلقي.