مدخل تمهيدي حول تطور المعلومات والتكنولوجيات الجديدة
تعتمد الثورة التقنية الثالثة منذ تسعينيات القرن العشرين أساسا على الإلكترونيات الدقيقة وعلوم الحسابات، والذكاء الاصطناعي واسترداد المعلومات وتوصيلها بسرعة متناهية، حتى انه يمكن القول أن هذا الواقع قد خلق نسبيا أثرا إيجابيا حول النوعية والمردودية في مجال الاتصال وتدنية أعباء ذلك. نشير أن الحاسوب (Ordinateur) لا يمكن أن يكون منافسا خطيرا للمترجمين؛ بمعنى ترجمة الإنسان في المستقبل، كما أن ذلك ساهم بقسط وفير في انسنة الآلة وأتمتة الإنسان؛ عبر سلسلة طويلة من التطبيقات العملية لمختلف النظريات العلمية التي توصل إليها العلم في السنوات الأخيرة من القرن العشرين وهو ما يعرف بـ: (قرن العولمة والقرية الصغيرة ذات الأنابيب ممثلة في البنوك والمياه ممثلة في النقود) وبالتالي نشاط قطاعات الاقتصاد المحلي والدولي وما يتطلبه من طلب فعال على الترجمة في سوق غير مرنة بفعل الهيمنة والاحتكار حتى من غير أهل الاختصاص بحكم الفراغ القانوني المعيش.
إن إيجاد مساهمة فعالة للتقنية الحديثة في مجال الترجمة مطلب ضروري وملح في عصر انفجار المعرفة والمعلومات والحاجة لنقل الإنتاج العلمي إلى اللغة العربية (وهو هدف استراتيجي لخدمة اللغة) وذلك كله مساهمة في محاولات التعريب المستمرة، التي بفعل المقاربات الديماغوجية أبرزت الترجمة والتعريب وكأنهما وجهان لعملة واحدة، في حين أن البون شاسع وفق المنظور المذهبي والعلمي، وتزداد صعوبة إنجاز هذه المحاولات الجادة من خلال ضعف التحكم في تبسيط وتذليل الصعوبات التي تقف في مسارها؛ كلما تأخر الوقت، نظرا لنمو كمية المعرفة البشرية نموا هائلا، حتى انه قد قيل أن: (حجم المعرفة يتضاعف كل ثمانية عشر شهرا تقريبا). وهذا ما انعكس على ديناميكية تجسيد وترسيخ اللغة العربية وضعف الترجمة إليها، والأسباب الأتي ذكرها خير دليل على ما ذكر:
أولا: يتعين عدم الاكتفاء بإنتاج بعض الأدوات والبرامج التي تحاول معالجة وتمكين نشر اللغة العربية جزئيا مثل: برامج القواميس الالكترونية والتدقيق الإملائي، وبرامج القواعد والتشكيل والصرف؛ حيث أننا نعيش عصر الترجمة الآلية التي لا تلغي الترجمة العقلية الإنسانية؛ فالترجمة الآلية تتطلب أكثر من ذلك بكثير، ذلك أن هناك أيضا عمليات التحليل الدلالي والنحوي والصرفي، وعمليات نقل معان وبناء جمل عربية إلى ما يقابلها في اللغات الأخرى التي تستخدم بكثرة في المعاملات اليومية لقطاعات حيوية: الأعمال والاقتصاد وغير ذلك من مجالات الحياة المليئة بالأنشطة.
ثانيا: نقص الاستثمارات العربية الجادة عموما والجزائرية خصوصا في مجالات البحث والتطوير، وكذا تجاهل الأهمية الكبيرة للترجمة الآلية في تطوير الأعمال؛ وهذا يعود -حسب علمنا – لنقص الوعي في تبني وإقامة وتمكين مشاريع مخابر البحث العلمي الجامعية Laboratoires de recherches أو التابعة للقطاع الخاص؛ لتتماشى وتطور الاقتصاد والمجتمع؛ بمعنى ضرورة مجاراة الواقع الراهن وعدم البقاء رهيني الماضي.
ثالثا: ضرورة إدراك أهمية الترجمة الآلية للعربية قبل الأوروبيين والاسياويين- في الوقت الراهن-والأجانب عموما؛ لتفادي اختراق السوق بفعل معرفة المعلومات ذات الحساسية المجتمعية- حتى تلك التي لا نعيرها أهمية- من حيث العادات والتقاليد والمناسبات الدينية والوطنية، لان هؤلاء يملكون-حاليا- الحوافز الكافية للترجمة مما جعلهم يدركون الحاجات نفسها للاهتمام بالعربية كما يلمسها العرب أنفسهم بالتمام.
من هذه المنطلقات السببية Causalité ؛ يستحسن الإشارة إلى أهمية موضوع الاحتراف في الترجمة وضرورة بعثها بشكل عقلاني يكفل تحبيبها للدارسين والمستعملين-دون شوفينية آو ديماغوجية.
أهمية الموضوع
تكمن الأهمية في التعريف بحتمية الترجمة الاقتصادية في متجه تحريك وسيولة الأعمال، من حيث: التكوين والتطبيق والاستفادة من الواقع المعيش بثنائيته المتناقضة أحيانا في مجالات الأعمال والتسيير: (الرسمي –غير الرسمي)، وعلاوة على ذلك، التعريف بأهم المعوقات التي تجابه المترجم المبتدئ أو المحترف في الميدان، خاصة في مرحلة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها البلد لا سيما وان التكوين الجامعي في مجال الترجمة لا يلبي سوق الترجمة في الوقت الراهن، حقبة العولمة والانفتاح الاقتصادي للبلاد، وزيادة على ذلك العوائق التشريعية والقانونية لممارسة حرفة الترجمة؛ إذا ما أدرجنا بعض التجارب العالمية ومنها الأوروبية؛ بحكم القرب الجغرافي والمبادلات، التي من خلالها يمكن التفكير في مسار التحكم النسبي في الترجمة الاقتصادية بصفة عامة، وترجمة الأعمال بصفة خاصة لبناء تقاليد احترافية في الترجمة.
هدف البحث
هي محاولة جادة لتبيان واقع وآفاق الترجمة الاقتصادية عموما، وفي قطاع الأعمال خصوصا (مع حتمية فاعلية الشبكة العنكبوتية في تصريف الأعمال) وكيفية المطابقة بين الإطار التصوري Cadre Conceptuel والعملي وهو المهم –بحكم حداثة التجربة – رغم عراقة المدرسة الجزائرية في ميدان الترجمة؛ من خلال المدارس المتخصصة إن كانت جامعية أو تابعة للمؤسسات الاقتصادية، ولعل مخابر البحث المستحدثة في الجامعات الجزائرية بدأت في تبني المواءمة بين النظريات الترجمية والاستفادة من خبرات المترجمين المعتمدين خاصة القدماء منهم. كما آن هناك رغبة أكيدة في إبراز ضرورة تبني إعادة النظر في المنظومة التكوينية؛ بحكم وجود تكوين قبل جامعي في بكالوريا اللغات منذ مدة 10 سنوات على الأقل في الجزائر، والتي يقتضيها هذا الجانب في مجال إماطة اللثام عن القدرات المحلية، بل والعبقريات التي لم تستغل تكوينها العالي في الترجمة في قطاع الأعمال، والتي بإمكانها حل الكثير من مشاكل الإنتاج والتسويق والاستفادة من تدنية تكاليف الأعمال الترجمية، وتبعا لذلك رفع التحدي في مجال اختراق الأسواق، وتفادي صور الهيمنة والتضليل الإعلامي.
في سبيل تحقيق هدف البحث؛ قمنا بقراءات متأنية لدراسات ذات صلة بالموضوع والتي يمكن إيجازها في فحص مقاربات احترازية قام بها مهنيون أكاديميون، كما سنلاحظ ذلك ادناه.
الدراسات السابقة
لانجاز البحث، الذي اصبغنا عليه الطابع السردي – تسهيلا للفهم وللإلمام ببعض عناصره – قمنا بتتبع تطورات حداثية للعديد من البحوث والمناقشات المسموعة والمرئية، سواء داخليا (جامعات :خاصة جامعة وهران على سبيل الاستدلال) أو عبر شبكة الانترنيت أو الصحافة المكتوبة ؛فاخترنا عينة من الدراسات التي كنا نراها أكثر دلالة ومنها :
1- دراسة الباحث: عبد النبي ذاكر المعنونة (الرهانات الاقتصادية للترجمة الآلية في عصر العولمة، (مجلة المترجم.ص ص( 11-28)) الذي قدم مقاربة مفادها: بات جليا أن للحواسب ونظم الترجمة الآلية وشبكة الانترنيت دورا رياديا في استغلال هذه الفرصة وإدماجها في النشاط الترجمي لخدمة دورة التنمية والاقتصاد، وعلى الدول النامية اغتنام هذه الفرصة التواصلية السريعة والمتواصلة والناجحة –رغم بعض الكبوات التي ميزتها . وعلى الجميع التأهب لرفع التحديات المختلفة التي تجابه برامج الترجمة الآلية وذلك عبر إعطاء المزيد من العناية للمترجم الإنسان لما فيه خير الإنسانية تقدمها (ص 24) كما أشار إلى اختيار البرمجيات شعار السرعة واليسر (ص 25) اعتقد أن لهذه المقاربة إزالة لغشاوة ما يمكن أن يعرفه المترجم الاحترافي في عصر العولمة هذا وتبيان أهمية العمل الإنساني الذي يبقى دوما محركا للتنمية البشرية كون الجماليات الضرورية في اللغة لها من الآثار النفسية والإبداعية ما لا يمكن أن يحققه الحاسب في الترجمة، وهذه المرجعية لها مايبررها من جانب الاحتراف.
2- دراسة الباحث: عز الدين المخزومي المعنونة (مصطلحات العولمة فلسفتها وأهدافها –دراسة في المضمون (نفس المصدر السابق ص ص 175-188) الذي أوضح أن الكلمات والمصطلحات مثل البشر تولد وتنمو وتعيش فيما بينها وتموت كما يذكر ذلك ارسين دار مستتير ، والكلمات تصاب بالأمراض أيضا، فالمصطلح الواحد يحمل اكثر من معنى ، أي يحمل قناعا يخفي الملامح الحقيقية للوجه (ص175) يوظفه الواقع بأسلوب متعارف عليه ويوظفه القوي الطاغي بأسلوبه الخاص الذي يعبر عن هيمنته وقوته…، برأينا، فان المسالة اليوم في الجزائر تكمن كثيرا في التحولات من خلال ما يتجلى في كلمات متقاربة النطق متباعدة المعنى ومن لغات وحتى لهجات متقاربة تضلل الفهم الصحيح وبالتالي تعرقل إنجاز الأعمال والصفقات، وهذا ما حدث ويحدث في الميدان.
3- دراسة الباحث الميداني: محمد الكبيش، المعنونة: (le traducteur interprète)، ينظر في ذلك:
الصفحات (63-67)، حيث يشير من واقع خبرته الترجمية الميدانية، وخلال حقبة زمنية كبيرة عرفتها الجزائر في ميادين متعددة، ففي الصفحة 63، يذكر أن التكوين المخصص من طرف الجامعة لم يفض ميدانيا ومن خلال المشاهدات إلا إلى (المدخل والمبدأ في الترجمة) وكذا نوع من تثبيط الروح النظرية للمهنة والتي -من خلالها- لم يتم التكفل الحقيقي بالترجمة، وهذا ما لم يلاحظ أثناء الممارسة الفعلية للترجمة، كما افرد لتبيان تقنين الحرفة ما ورد في نص الأمر رقم 13/95 المؤرخ في: 11/03/1995 والذي اتبع بالمرسوم التنفيذي رقم 95-436 المؤرخ في 18/12/1998 المحددة للشروط الواجب توفرها لممارسة مهنة المترجم والترجمان الرسمي… بمعنى أن المشرع الجزائري قد أوجد التنظيم والحماية لأجل الاحترافية والتخصص في الترجمة، فهل يجد التطبيق مكانته؟ إذا ما علمنا أن كثيرا من النصوص المترجمة أفضت إلى مشاكل على مستوى الإدارات(جمارك، ضرائب، محاكم، توثيق،…الخ)
4- دراسة الباحث في الفيزياء: عبد الكاظم العبودي :المعنونة (إعادة بناء الأنظمة اللغوية انطلاقا من ميدان الترجمة) حيث أشار إلى أن العولمة المعلن عنها الآن- دون مواربة- ستفضي حسب توجهاتها القسرية نحو سيادة لغة معينة من لغات الدول المهيمنة على العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية ،وتعتبر اللغة من أهم مقومات تكنولوجيا المعلومات وصناعة الثقافة وسلعة أيضا في التبادلات الاقتصادية أيضا وهناك التكيف اللغوي وما يمكن أن يقدم كخدمة في المقام الأول احد وظائف اللغة -خاصة في الاتصال والتبادل المعرفي المحتوم- نظرا لما يحتله الاتصال والترجمة من أهمية بارزة اليوم في اختزال الكثير من النفقات والوقت والجهد لتوفير العلم والتكنولوجيا واستثماراتها المتصاعدة في كل المجالات (انظر البروسيدينغ، ص44، الملتقى الرابع، 10 و11 ماي 2004. بعنوان: إستراتيجية الترجمة والرهانات الاقتصادية للترجمة…). نلاحظ أن أهمية وهدف الترجمة المتخصصة لا تعني فقط جانبا معينا من المعرفة، وبإمكان غير المتخصص الاحتراف في مجالاتها.
5-دراسة الباحث: محمود إسماعيل صالح الصيني، المعنونة: (الحاسب في خدمة الترجمة والتعريب)، حيث يشير إلى إن التعرف على الوحدات المعجمية وهي الكلمات والتعبيرات الاصطلاحية ويفهم معانيها في سياقاتها اللغوية والاجتماعية المختلفة والتأكيد على سياقاتها المختلفة، لان الكلمة الواحدة تعني أشياء كثيرة طبقا للسياق الذي ترد فيه كما أشار إلى أن النقل أي عملية إيجاد المقابلات المعجمية والنحوية والأسلوبية لأجزاء النص المترجم مثل إيجاد الكلمات والتعبيرات المقابلة في المعنى يزيد في جمالية النص المترجم ويكسبه مصداقية كبيرة من خلال وظيفة الكلمات والتغيرات الواردة في النص الأصل.
6-دراسة الباحث: سلام إبراهيم عطوف كبة، المعنونة: (الكومبيوتر والترجمة)، موقع الحوار المتمدن، نشرية عدد 1233 بتاريخ 19/06/2005، والذي أوضح أن الثورة التقنية الثالثة في فترة التسعينيات من القرن العشرين، قد اعتمدت أساسا على الالكترونيات الدقيقة وعلوم الحاسبات والذكاء الاصطناعي واستيراد واسترداد المعلومات مع توصيلها بسرعة متناهية، مما يستلزم الاستعداد لذلك لأجل التحكم في ذلك والاستفادة من التطور التكنولوجي في مجال الترجمة.
اجل؛ فان التكوين ومجاراة السرعة في تدفق المعلومات خير وسيلة للتحكم في مناحي الترجمة المتخصصة.
7- دراسة الباحث: عزا لدين أبرجي، المعنونة 🙁 إشكالية المصطلح في الوطن العربي والإسلامي: دراسة مفهوماتية لمصطلح التنمية)، ينظر في ذلك: (موقع مجلة الشهاب ماليزيا، ليوم الاثنين 29/08/2005) حيث ابرز أن الترجمة يجب أن تكون مرفقة بفهم عميق للمصطلح المختار لتفادي الوقوع في مطبات التضليل المصطلحي، وقد استدل على ذلك بمصطلح التنمية الذي استنسخه المترجمون -عن وعي أو عن غير قصد- من المصطلح الفرنسي Le Développement)) مع كل ما يتضمنه هذا المصطلح من مغالطات في الفهم، ولعل الجانب الإحصائي يثبت أن 20بالمئة من سكان العالم يحوزون 80 بالمئة من المداخيل، في حين أن 80 بالمئة من السكان يحوزون 20 بالمئة من المداخيل..، فهل الترجمة تتطلب التحوير إلى لغة ثانية كلمة كلمة، آم أن الأمر يتجاوز ذلك، فكيف ينبغي أن يكون المترجم محترفا؟. ولعل باحثنا هذا متأثر بالفكر الباديسي، كون الشيخ ابن باديس لا يقبل كلمة استعمار بل يحبذ كلمة استدمار، وزاد في ترديدها الراحل مولود قاسم، والراحل الدكتور إسماعيل العربي (مترجم محترف من طراز رفيع واحد أساتذة معهد الترجمة التابع لجامعة الجزائر خلال فترة السبعينيات من القرن العشرين) في مؤلفاته العديدة في مجالات التاريخ والجغرافيا والاقتصاد وغير ذلك، واستدل على ذلك بما هو وارد في لسان العرب؛ لذا نلحظ أن لغتنا لا تتضمن كل هذا الفخاخ في الترجمة ، وقد نقع في بهتان الترجمة كما وقع فيه أسلافنا.
التشخيص الواعي لهذه الدراسات الأكاديمية السابقة؛ يقودنا حتما إلى التفكير في منهج علمي رصين أو مناهج لتناول الموضوع من جوانبه البحثية لجمع مقومات الترجمة الاحترافية المختصة وكذا تمييز المترجم المحترف عن المترجم المناسباتي؛ذلك أن أخطاء الترجمة كبحت دوما سيرورات الأعمال في بلدان كثيرة ومنها الجزائر.
المنهج المستخدم وطريقة جمع المعطيات
استخدمنا المنهج الوصفي التحليلي التتابعي، لطبيعة الموضوع ومتطلباته بما يحقق درجة من التعليل والفهم المترابط، وبناء على ما ذكر، فان موضوع بحثنا جاء كمحاولة: احترازا من البت في موضوع لا يزال وسيبقى محل بحث متواصل ومستدام وكذا نقاش بين الباحثين والمفكرين والعلماء المتخصصين في شتى المجالات ومنها مجالنا الاقتصادي، وليست المعلومات الواردة في هذا البحث إلا تجميعا لما تمكنا من قراءته و استيعابه من خلال مشاهداتنا ومناقشاتنا مع بعض أهل الاختصاص على قلتهم – كوننا لسنا من أهل الترجمة الأكاديميين– بقدر ما نحن مجرد مستخدمين لها لظروف قسرية فرضتها علينا المهنة التعليمية والبحثية وما تتطلبه من الاستعانة بالترجمة لمجاراة مختلف التطورات الاقتصادية والمالية في العالم رغم لامرونة البرامج التعليمية التي نعمل من خلالها منذ مدة بدون أي تغيير أو إضافة موضوعية لخدمة الحرف العربي كمبدأ قومي حضاري للوصول إلى عملية إثراء علمي يكون قناة لتوصيل المعرفة على نطاق واسع بدل التكديس المعرفي كما يقر بذلك الدكتور زكي نجيب محفوظ.* اختيار هذا المنهج له من الدلالات الشيء الكثير، وطبيعة المراجع المستخدمة: كتب منهجية، كتب فكرية، مقالات علمية محكمة ساعدتنا في بلورة بحثنا برؤية شفافة نأمل أن تكون كسائر اللبنات السابقة في الميدان الترجمي، ونحن نعيش في بلادنا تحولات في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية وروح التغيير المميزة لمجتمعنا وبيئتنا.
أهمية المراجع المستخدمة
تميزت المراجع المستخدمة في إنجاز هذه الدراسة بحداثتها المعرفية، والتي أظهرت أن المترجم -لا ينبغي أن يبقى على هامش الأحداث العلمية والتكنولوجية التي تخدمه؛ بل يجب أن يتكيف معها حتى لا تفوته الفرص في خدمة المعرفة العلمية، وبالتالي خدمة البحث العلمي والاقتصاد الوطني كذلك. كما أوضحنا جدية هذه المراجع من خلال استنباط التناقض والتصادم في الآراء النابعة من صراع وتلاقح الأفكار؛ نظرا لتعدد البيئات المختلفة وكيف يمكن التكيف معها وارتباطها بالموضوع محل الدراسة، حيث أن هذه الأخيرة مزيج من الاقتصاد والأعمال واللغة والتعريب والتجارب الميدانية. لا شك أن البحث المتأني في هذه المراجع، يعطي انطباعا ايجابيا عن الجهود البحثية المتراكمة كدرب معبد طويل نحن في بعد مسافي متردد؛ لان مجال الترجمة لا زال يتطلب المزيد من التكيف في البلاد النامية والمتطورة –طالما أن البلاد المتطورة- تطالب من البلاد النامية بأهمية التكييف للوصول إلى النمطية في الترجمة…. وهذا غير ممكن حسب رأينا؛ رغم الجهود الجادة لنشر المعرفة العلمية الإنسانية في العالم.
كمحاولة لعرض حول الترجمة الاحترافية ومعوقاتها بالنظر لكوابح مهنة وحرفة المترجم المحترف في حد ذاته؛ قسمنا بحثنا الى فصلين متكاملين وخاتمة تلخيصية لأهم ما ورد في البحث-على النحو التالي:
الفصل الأول: تحليل أساسيات الترجمة التقليدية والالية وتحدياتها الراهنة
سعيا لربط الترجمة ومعوقاتها وصعوباتها بالأحداث الميدانية؛ ارتأينا عرض مستخلص عن إشكالية الأخطاء في المجال الترجمي وكيف عرقلت قيام رفاهية علمية ومنها الرفاهية الاقتصادية بأبعاد ثقافية واجتماعية، فالأخطاء الترجمية ليست وليدة الصدفة بل لها جذور تاريخية وتراكمات معرفية-كما تتوضح في الفقرة المذكورة أدناه:
الخطأ في الترجمة بين الماضي والحاضر: ليس هناك شك في أن الأخطاء كانت كبيرة في المجال الترجمي، ولنتابع ما ذكره أسلافنا: قال أبو حيان التوحيدي المتوفى في سنة 410 ه في كتابه ذائع الصيت المعروف ب- المقايسات: “إن الترجمة من لغة يونان إلى العبرانية ومن العبرانية إلي السريانية ومن السريانية إلي العربية؛ قد أخلت بخواص المعاني في إبداء الحقائق إخلالا لا يخفى على أحد”. ويستطرد في انه” لو كانت معاني يونان تهجس في نفس العرب مع بيانها الرائع وتصرفها الواسع وافتنانها المعجز وسعتها المشهورة ؛لكانت الحكمة تصل إلينا صافية بلا شوائب وكاملة بلا نقص” .كما سجل الغزالي هذا التحريف المبتذل، قائلا في كتابه: تهافت الفلاسفة: “ثم المترجمون لكلام أرسطو لم ينفك كلامهم عن تحريف وتبديل معوج إلى تفسير وتأويل حتى آثار ذلك أيضا نزاعا بينهم”. للإشارة فقد دلت الأحداث أن غالبية المترجمين حتى في تلك الحقبة الناصعة من التاريخ العربي الإسلامي لم تكن تتوفر فيهم شروط الترجمة الاعتيادية، وقد استدرك ذلك الخلفاء والحكام حيث كان يأمر الخلفاء بإصلاح بعض التراجم آو بإعادة ترجمتها من جديد كما فعل فيما يروى الكندي في كتاب الربوبية المعزو لأرسطو، فقد أصلح ترجمته. على أن الخطا الذي كان يقع فيه التراجمة لم يكن في المعنى فحسب وإنما كان كذلك في نسبة بعض الكتب الى غير مؤلفيها والخطأ من هذا النوع وقع فيه السريان قبل العرب؛ ولعل وقوع السريان في هذا الخطا هو الذي اثر على العرب في تلك الناحية. كتاب الربوبية عزي لأرسطو؛ فلما اطلع الفارابي على هذا الكتاب واعتقد انه لأرسطو قام بتحرير نظريته المشهورة في التوفيق بين أراء أفلاطون وأراء أرسطو معتمدا بالخصوص على هذا الكتاب، وقد وقع الفارابي في الخطا وانهارت نظريته في التوفيق بمجرد انه عرف أن هذا الكتاب ليس لأرسطو وإنما هو فصول أخذت آو لخصت من تساعيات أفلوطين وهو بعيد عن روح أر سطو ‘هذا ما يؤكده تاريخ الترجمة مع جدية علماء الإسلام في المضي قدما بالبحث والتنقيب خشية تحريف المصطلح من جهة وتحريف المؤلف’ (اسمه) من ناحية أخرى؛ مما يولد تراكما علميا مشوها….بمعنى أن الأمانة العلمية والنقول كانت لديهم ذات أهمية كبرى في ظل غياب ما يعرف اليوم بمجالس وهيئات حقوق الملكية الفكرية لان الجانب الأخلاقي المطعم بالدين كان هو السائد. حري بالباحث الجاد في المجال الترجمي الانتباه أثناء نقل الترجمة بأمانة علمية حتى لا نوقع الدارس في متاهات هو في غنى عنها، ويذكرني حاكم مصر في عصر ابن خلدون لما أراد هذا الأخير تكذيب مشاهدات ابن بطوطة فأفحمه الحاكم: هل زرت مصر؟ فأجاب بالنفي، مما جعل الحاكم يطالبه بالسكوت، ومن الطرائف أن الأشياء التي ذكرها ابن بطوطة عن رحلاته أثبتتها الشبكة العنكبوتية حاليا؛ مما يستلزم الاطلاع والمشاهدات قبل تبني ما يذكر ويكتب، وهذا حال كثير من مترجمي عصرنا الذين يقبلون كل شيء لمجرد انه موثق.
سنتناول العناصر التالية وحسب تسلسلها كمحاولة استكشافية لمعاني الترجمة، بغية التمهيد لفهم واقع الترجمة في قطاعات الأعمال:
1-معاني الترجمة الحقيقية
أدت التطورات الحادثة في العلوم إلى إنتاج كم هائل من المصطلحات وضعت مقابلات لها في غياب منهج متفق عليه ،لان القصور في المصطلح معناه قصور في المعرفة التي أصبحت اقتصادا في حد ذاتها وغدت وسائلها علامة على التفوق؛ بحيث تقاس درجة التوجه نحو المعرفة بعدد الكومبيوترات وعدد ما يتصل منها بالانترنيت وبراءات الاختراع والتجارة الإلكترونية… ففي العالم العربي تشير الكثير من الدراسات، ومنها وقائع المؤتمر ال10 للتعريب المنعقد بدمشق تحت عنوان: (اللغة العربية والتعريب والمصطلح) والذي تم تحت إشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الاليسكو)، حيث كان هناك تثمين لجهود مكتب تنسيق التعريب في مجال الدراسات المعجمية والمصطلحية وإعداد المصطلحات العربية وتوحيدها على مستوى الوطن العربي، وقد تمت المصادقة على أكثر من 150. ألف مصطلح نشرت في معاجم ثلاثية اللغة (إنجليزية، فرنسية، عربية)، ومن خلال إطلاعنا على دراسات في هذا المجال مترجمة بلغة اقتصادية جيدة، لاحظنا أن هناك 3انماط أكثر أهمية وأكثر حساسية لها ارتباطات مباشرة بما يعرف بالاقتراض اللغوي، يمكن إيجازها في الآتي ذكره:
أولا: الأهمية النسبية في اختيار واقتباس الكلمة من اللغة المانحة، مع ضرورة فهم مدى الحساسية المفرطة في إجراء تعديلات حقيقية شريطة أن تتوافق والأنظمة الفونولوجية والإملائية وكذا الصرفية للغة المتلقية مثلما نجده في الكثير من الكلمات باللغة الإنجليزية أو الألمانية أو اللغة العربية، فالأمر لا يتعلق بالترجمة من لغات يقال عنها حية إلى اللغة العربية لإثرائها (ولتسهيل التعاملات التجارية مثلا) وحتى تصبح مواكبة لروح العصر- كما يقال- رغم أن الحقيقة ليست كذلك، وهذا ما أثبته كثيرون منهم : الدكتور عثمان سعدي (دبلوماسي وباحث جزائري) والدكتور عبد الحليم محمود (شيخ الأزهر في السبعينيات) وجرجي زيدان (باحث وعالم عربي من لبنان)، كما أثبته مؤخرا عالم الفيزياء من جامعة وهران (الجزائر) البروفيسور كاظم العبودي من خلال تساؤل: لم لا نترجم من اللغة العربية إلى اللغات الحية الأخرى ؟ قد تتعرض البلدان إلى تضييع فرص ثمينة في مبادلاتها الدولية البينية ومع العالم الخارجي إذا لم تستغل هذه الفرص، كما ان تعقيم هذا الاقتراض اللغوي والتردد تحدث فراغات تستغل من الطرف المفاوض الأخر بذكاء استراتيجي.
ثانيا: الاقتراض بالترجمة أو الاستنساخ Calque ، مع أن هذه الترجمة تختلف من تخصص لآخر، مما قد يؤدي إلي نوع من التضليل في التفسير، وقد يؤدي هذا بدوره إلي تحريف في المعنى حيث يفقد النص المترجم حيويته… ولعل الأمثلة الواردة سابقا خير دليل على ما ذكرناه .
ثالثا: التهجين: تعيد اللغة المتلقية إنتاج وإعادة إنتاج مفهوم معجم اللغة المانحة بإدماج وضم عنصر محلي إلى عنصر أو حتى أحيانا عناصر أخرى أجنبية، وقد وقفنا بحكم دراستنا عند المشارقة والمغاربة على تنافر في التسميات المحلية وفي الوطن العربي بجناحيه، ومن ذلك تسميات لمصطلحات الأعمال والمال والرياضيات وغيرها مثل: سفتجة ، كمبيالة ، شادوف، إردب، سند، سهم، إيجار، استئجار، تأجير، إجارة ، تابع، دالة…الخ، ووفق الإجراء التتابعي في هذا المضمار؛ نجد أن كولماس فلوريان من خلال كتابه (اللغة والاقتصاد) المترجم للعربية يذكر أن: “الاقتراض اللغوي مهم من خلال المتطلبات الوظيفية التي تتحملها كل لغة بكونها أداة للتبادل الاجتماعي في ظل ظروف محددة للتطور الاجتماعي والاقتصادي وكذا السياسي وحتى الثقافي، فالاقتراض وتكون اللغات التخصصية ومن خلالهما صياغة مصطلحات موحدة تمثل أمورا ذات فعالية في الحفاظ على فائدة وأهمية اللغات“. يبدو جليا وبإسقاط معرفي أن اللغة الاقتصادية la langue économique تعبير حقيقي عن تطلعات وأحاسيس المجتمع وان كل إهمال لذلك ماله الانفصام في الشخصية وبالتالي عدم الاستفادة من الجوانب المعرفية المتحضرة والمتمدنة لهذه اللغة بعيدا عن المسخ والاغتراب… وهذا ما عبر عنه الكثير من المفكرين والعاملين في الحقول العلمية والتربوية، حيث نجد أن المفكر مالك بن نبي يقف ومتعجبا من حال العالم الإسلامي قاطبا والجزائر عموما؛ حيث يقول بمرارة كبيرة ما يلي: “وقفت اليابان من الحضارة الغربية موقف التلميذ ووقفنا نحن موقف الزبون استوردوا منها حتى الأفكار بوجه خاص واستوردنا منها نحن الأشياء بوجه خاص”. هذه صرخة رجل حكيم مؤمن بالعولمة اللغوية قبل معرفتها من طرف الكثير من بلاد العالم النامي، مع نظرة ثاقبة للأشياء وبدون عقدة، وها هو التاريخ يعيد نفسه ويثبت بقاء الأحوال في حالة جمود، فأين هي الجزائر في مجال الترجمة الاقتصادية ؟، إذا ما علمنا أن لها معاهدا متخصصة لذلك واستضافتها منذ عشرية من الزمن لمعهد عربي للترجمة تحت إشراف جامعة الدول العربية لتكوين مترجمين أكفاء،في ميادين متعددة، لكن ما مصير مخرجات التكوين في الترجمة التي تتم في الجامعات الجزائرية؟ للتعليم فقط أم لكل قطاعات الاقتصاد الوطني…. هل يمكن القول أننا نحترم خصوصيات ممارسة مهام المترجم والترجمان كما يعبر عنه في الجزائر؟ من المتعارف عليه أن اللغة الاقتصادية والمالية لغة حية مزودة بشخصية متميزة وبلغة أكثر تقنية ومنهجية متخصصة وبوجود مجتمع مهني من المترجمين المحترفين أو المتطفلين على الحرفة ،بمعنى كبح الاحترافية في هذا المجال… يقومون بالترجمة الاقتصادية والمالية والتجارية دون احترافية ولا مهنية ولا حتى أحيانا أخلاقية مع النتائج التي لا يمكن تصورها (حالة مكاتب الاستشارات المحاسبية والمالية في مجال تعريب الوثائق بالاعتماد على المعجم ثنائي أو ثلاثي اللغة)، فاللغة المتلقية كما سبقت الإشارة إليها تفيد بإنتاج مفهوم معجم اللغة المانحة بضم عنصر محلي إلى عنصر آخر أجنبي، وهذا الأمر يخدم الترجمة الاقتصادية الاحترافية ، إذن نعتقد كغيرنا أن بعض الخصوصيات الجوهرية التي تقف في وجه المترجم المعاصر يمكن أن تلاحظ وفق ثلاث احتياجات مثلما كان يتميز به مترجمونا في العصور المزدهرة للإنسانية والتي لا يمكن نجاح الترجمة في بلادنا إلا بالرجوع لهذه المبادئ الأساسية لخدمة نشاط الترجمة الاحترافية وهي:
1_ ضرورة إتقان اللغة المترجم منها.
2- ضرورة إتقان اللغة المترجم إليها.
3- ضرورة المعرفة بلغة المادة المترجمة، وهذه الضرورة يعاني الكثير من المترجمين وشانهم شان الأطباء الشرعيين والاختصاصيين والقضاة في القضايا المالية والتجارية والعقارية والأحوال الشخصية، لذا فانه من الضرورة بمكان إدراك دور المترجم والمترجم الخبير المتخصص أو ذلك المترجم الذي يستعين بخبراء في التخصص خاصة وان الجزائر ولجت إلى تطبيق اتفاقية الشراكة الاورومتوسطية منذ سنة 2005، وما يرافقها من تفكيكات جمركية للكثير من السلع الغذائية والزراعية، والأمر مستعجل دائما في مثل هذه الاستحقاقات؛ ففي بداية سبتمبر 2005 ولجت الجزائر اتفاق الشراكة حقيقة وظهرت تجليات ضعف الترجمة الاحترافية بوضوح، إن على المستوى اللفظي أو مضمون المصطلحات، والجزائر تتعامل مع الاتحاد الأوروبي المتعدد اللغات، ولم يرض أعضاؤه بالرجوع إلى اللغة اللاتينية وإنما حافظوا على اللغة الإنكليزية كلغة حية للأعمال، كما أن الجزائر مقبلة على الانضمام الرسمي والفعلي إلى المنظمة العالمية للتجارة ( O.M.C) في القريب وإقامة منطقة التبادل الحر ، بعد التخلي عن فكرة المنطقة الحرة التي كان مقررا إقامتها في منطقة بلارة بولاية جيجل، أثبتت الأحداث أن من بين معوقات الرد على الأسئلة المطروحة في سبيل الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة نقص خبرة المفاوضين في مجالات الترجمة للغات الحية، وهذا يعني اختلالات في دلالة المعيارية على مستوى العديد من المناحي القانونية والاقتصادية والمالية وحتى لغة التخاطب.
2-المعيارية في الترجمة: لم يبق العمل مركزا على المصطلحات والدلالات والإنتاج الموسوعي وإنما كان السعي حثيثا للبحث في معيارية ونمطية الترجمة خاصة الاقتصادية منها، وهذا ما نلاحظه من خلال المثال الآتي:
طرحت شركة فرنسية متخصصة في الترجمة مشروعا طموحا حول المعيار الأوروبي لمصالح الترجمة؛ وهو عبارة عن تصور يقترب من الموجود ميدانيا، وقد تم الانتهاء منه بتاريخ: 05/12/2004، كما أن هذا الأمر تم تبعا للنتائج الأكثر ايجابية التي حققها فريق الخبراء الفرنسيين المشكل بإشراف AFNOR وجمعيات مهنية أخرى تم انتخابها واختيارها بشفافية كبيرة بالنظر للطابع الجدي لهذا المعيار حيث انجز ذلك بتاريخ 15/12/2004، ووقع سحب 103 إجابة حول هذا التحقيق الأولي حول الترجمة، وكانت نتائج الاستبيان كما يلي:
-1-الموافقة بدون تحفظ: 24 إجابة.
-2-الموافقة مع وجود تعقيبات :34اجابة.
-3-الموافقة مع تقديم تبريرات: 24 اجابة، مع أن هناك حالات متوافقة مع تغليب وترجيح أسس معيارية لتحقيق اهداف تطوير محتوى المشروع الترجمي.
3- الامتناع : 21 إجابة.
أسفرت عملية فرز نتائج التحقيق السابق والتي تمت خلال يومين كاملين: 10 و 11 جانفي 2005 وتمت عملية قراءة كل تعليق؛ مما أفضى إلى إنتاج ملف علمي بواقع 129 صفحة، وبعد المناقشة والقبول و الاعتراف أو الرفض من خلال مجموع الأشخاص الذين أجابوا عن مفردات الاستبيان ؛كان هناك إنتاج تركيبي Synthèse والاستفادة من فرص؛ مما مكنهم من الحكم -مع بعضهم البعض- فيما يخص العمل، والذي وصفوه بالممل، وللدلالة على النقاش الحاد، فان هناك تعليقات ذات طابع عام ظهرت عبر 20 صفحة حررت تبعا لذلك. وتبين أن البعض يعارض كل ما يتعلق بإيجاد معيار في مجال الترجمة مرتبطا بالنشاط الفكري، ولذا فان المشروع يسعى إلى معيارية الوسائل البشرية والمادية التي يتعين على مقدم الخدمات أن يجسدها فعليا حتى يوفر للزبائن خدمات راقية في الترجمة، أي خدمات ذات نوعية، وفي نفس الوقت يتجنب قبول ضمانة مريبة من حيث جودة النتيجة لان الترجمة تتطلب نوعية عالية، وهناك انتقادات واتهامات وجهت للمشروع لسببين وجيهين: النظرة الأولى تناقضيه، فهناك من يعتبر أن المشروع لا يمكن أن يطبق إلا على شركات الترجمة.Société de Traduction… وليس بحال من الأحوال على المترجمين المستقلين. وهناك آخرون يرون عكس هذا الطرح، من خلال وجوب التفرقة بين شركة الترجمة والمترجم، وقد تم تمرير الرسالة الى الزبون والمجتمع بأنها: “لأجل تحقيق الترجمات ذات النوعية، فان المترجم ملزم بان يكون في صلب العملية” إذن، لا بد من إقامة اثر إيجابي في الترجمة حول النوعية والمعايير لخدمة الشفافية والإفصاح والمساءلة (قواعد الرشادة) ولن يتم ذلك إلا حين التمييز بين المترجم المحترف وذلك المتطفل، ويتجلى ذلك في كون الوظيفة الحيوية للترجمة ينبغي أن تكون بأبعاد تربوية واتصالية بالدرجة الأولى، وفي الحقيقة فان هذا المنطق يهدف إلى تجسيد نوع من التحدي الأدبي، ورغم ذلك فقد رفضته جمعيات المترجمين في كل ربوع أوروبا منذ الاقتراح الأولى للمعيار من طرف شركات الترجمة؛ لان نوعية اللغة الإنجليزية (لغة العولمة) قد تطورت بوضوح دون إهمال اللغة الفرنسية واللغات الحية الأخرى (الألمانية والاسبانية مثلا)، مع أن للغة الاسبانية امتدادات عميقة في قارتي إفريقيا وأمريكا، نشير لوجود تعاريف ضرورية تمت بصفة اعتيادية أضافتها وأخرى اعتبرت مصطنعة وتم حذفها، أما التعليقات المتعلقة بالتحرير باللغة الفرنسية، فيرى الخبراء أنها ستدرس خلال فترة الترجمة للنص النهائي بكل تجلياته، وهناك إشكالية أخرى- لا تقل أهمية- تم التطرق إليها: قضية فضاء المراجع المتخصصة والمهنية؛ لان العالم اليوم أصبح يعطي الأهمية للأطر التطبيقية أكثر من الأطر العامة، ولهذا الشأن الترجمي المعياري مرجعيته المرتبطة بقطاع الاقتصاد والأعمال.
4-أهمية نشاط الترجمة في الاقتصاد والأعمال: إن استخدام المعجم أو المنجد بحثا عن مترادفات باللغات الأجنبية لا يقدم إضافة للترجمة في شيء؛ كون أن هناك أخطاء كثيرة ارتكبت عن قصد أو عن غير قصد في الكثير من عمليات الترجمة التي تمت سابقا او تلك التي لاتزال قائمة إلى يومنا هذا، وهذا يعود -حسب رأينا- إلى غياب الترجمة الاحترافية ومنها المترجم المحترف الذي يعتبر محور الاهتمام في عملية الترجمة العلمية الرصينة. ترتبط الترجمة في الكثير من البلاد النامية ارتباطا وثيقا بمدى تطور المجتمع تربويا وعلميا وكذا بمستوى تطور القوى المنتجة في فهمها الواعي لما بعد الإنتاج، وهل أن الأزمات تقع في الإنتاج أو في التسويق إذا ما أخذنا الإشكال، من الزاوية الاقتصادية والمالية والتجارية (كثير من المنتجات المحلية لم تجد طريقها للتصريف بفعل غياب ترجمة دقيقة).
الاقتصاد هو العنصر الحقيقي كونه المحرك الأساسي لكل الأنشطة سواء كانت متصلة أو متعارضة، كما يعبر هذا الاقتصاد عن كونه إحدى لبنات البناء التنموي بشتى الصور والأشكال، كما أن الترجمة الاقتصادية -تحديدا تساهم في تقريب المنتج من المستهلك، بمعنى أنها تشكل عنصر حراك في الترويج للسلع والخدمات والماركات التجارية والصناعية التي ازداد انفجارها معلوماتها بفعل العولمة وانفتاح الأسواق العالمية، خاصة بعد تلاشي حمى برد جدار برلين رغم الهزات التي يعرفها العالم برمته من خلال اختلال ميزان القوى لصالح القطبية الأحادية ممثلة في أمريكا بمعنى ظهور ما يعرف بأمركة الاقتصاد العالمي رغم وجود أقطاب اقتصادية جديدة مثل: قطب النمور الآسيوية والصين وغيرها (فرضت اللغة الصينية نفسها بفضل الإنتاج وحركة رؤوس الأموال)، أي أن هناك ما يعرف بعولمة الشركات وزاد الأمر كذلك من خلال الثورة التكنولوجية وتطور وسائط الاتصال والإعلام (النت)، ولعلي استعير ما ذكره الباحث المغربي الرصين الدكتور عبد النبي ذاكر من جامعة أغادير (2004) في هذا الخصوص حيث يقر بان: “عولمة الشركات تزداد يوما بعد الآخر في عصر انفجار المعلومات وازدياد عمليات التجارة الإلكترونية حتى في تلك البلاد التي كان ينظر إليها أنها متخلفة اقتصاديا وتكنولوجيا”، نعم وبكل تأكيد؛ فان الترجمة الاقتصادية وخاصة ترجمة قطاعات الأعمال قد تسارعت بشكل غريب ومهول وتطورت الترجمة، من حيث: الإبحار الصوتي والترجمة الآلية للكلام وكذا الترجمة التخاطبية وهذه التطورات كانت وسوف تزيد بفعل البحث العلمي في تحقيق فعاليات الترجمة الاقتصادية من جانب السرعة الكبيرة والمذهلة وكذا تدنية التكاليف والسعر الأقل، ودائما كما أوضح الباحث السابق، فان هناك ثلاث عناصر أساسية يتعين توفرها في الترجمة الاقتصادية ذات الدلالات لتحقيق أهداف جوهرية: (رهانات: الجودة –السرعة – السعر) ولايمكن الحصول على هذه الأهداف إلا إذا خلقنا وكيفنا المحيط الذي يعيش فيه المترجم، كون هذا الأخير يعاني ويجابه تحديات في مجال الحركة والمحيط كذلك، هذا الجانب لا شك وانه يطرح مشكلة مهمة في الترجمة وهي تلك المتعلقة بأنماط ميكانيكية التخصص الترجمي .
5- التخصص في ترجمة الأعمال business : أفضى تغييب ميكانيكية التخصص الترجمي إلى بروز متاهات عصفت بنشاطات البحث العلمي في مجال الاقتصاد والأعمال، واستخدمت ترجمات مرتجلة في تضليل ومعاقبة كثير من الباحثين أو المستخدمين للترجمة لأغراض تيسير تدفق أنشطة أعمالهم؛ ففي المجال التربوي وقعت حوادث كثيرة جسدت من خلال ما طرح من أسئلة في اختبارات يفترض فيها توفر الدقة العالية في الصياغة، فمثلا: ترجم مصطلح la valeur résiduelle أي القيمة المتبقية للاستثمارات إلى: الأنقاض، لان هناك من ترجمه باستخدام المنهل دون الانتباه لخصوصية المصطلح، وقد ورد الخطا الترجمي هذا-على سبيل الاستدلال- في امتحانات بكالوريا الاقتصاد عام 1987؛ مما أدى إلى نتائج سلبية أثرت على نجاح كثير من تلاميذ تلك المرحلة، وفي المجال الاقتصادي، فان المنتوج إن لم يكن مزودا بترجمة ومدعما بها؛ فانه لن يجد منافذا نحو الأسواق (Débouchés)، وهنا يظهر مدى وجوب أن يكون المترجم متخصصا في مجال معين يطلع على ما يحدث فيه ويكتسب فيه الخبرة، ويجب إشراك القطاعات الاقتصادية في عملية التكوين الخاصة بمجال الترجمة الاقتصادية، حيث تلعب الجامعة الدور الرائد في تكوين المترجمين les traducteurs، وفي هذا السياق؛ نجد الدور الجوهري للترجمة وفق تحديد معاني الكلمات ثم هناك جانب آخر يسمى بالتعبيرات الاصطلاحية ،وتعريف التعبيرة الاصطلاحية هو التعبير أو مجموعة الكلمات التي لا يتضح معناها من معاني الكلمات المكونة لها… هناك إذن مشكلة معاني الكلمات في السياقات المتعددة أي تعدد المعاني وهناك التعبيرات الاصطلاحية وهذه -كما سنرى- تمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للترجمة عامة والترجمة الآلية خاصة، فالمعجم من منظور الترجمة الآلية ترتبط أهميته بإطار لغة يحكمها نظامان: أحدهما نظام القواعد والآخر نظام المعجم ولهذبن النظامين دورهما في نظم الترجمة الآلية، مع أن هذا النوع من الترجمة ينطوي على مشاكل إذا ما قيس بالترجمة الآلية الإنجليزية، وذلك ناتج عن الاختلاف الكبير في آليات تكوين الكلمات في كل من اللغة العربية والإنجليزية وفي الفوارق الواضحة بين اللغتين كلما تعلق الأمر بمعاني المدخلات المعجمية وفي تحويل معاني الاستعارة وطرق الحذف والزيادة ،ضف إلى ذلك: معرفة حقل النص ومجال تخصصه، مثلا إذا كان الأمر يتعلق بترجمة نص في الاقتصاد أو المحاسبة أو الكيمياء، بحيث نجد أن بعض الكلمات تختلف معانيها في هذا النص فيما لو وردت في نص في الفيزياء أو في الإلكترونيات؛ لا بد من إيجاد لغة علمية عربية مشتركة يفهمها الجميع تكون ذات أداة فاعلة للتعليم والبحث والتأليف والترجمة، ويجب أن يتضمن كل كتاب علمي منهجي على مسرد أجنبي لإجراء المقاربات الترجمية بين المصطلح العربي وما يقابله في لغة أجنبية أخرى، وهنا تظهر احترافية المترجم المرتبطة بواجباته المعرفية المطعمة كذلك بالتحكم في التكنولوجيات الايصالية.
6-المترجم المحترف وواجباته المعرفية الآلية: علاوة على مدى مجاراة التطورات التكنولوجية الحادثة في ميدان الترجمة والأعمال، فان هناك نقاطا يتعين مراعاتها على سبيل المثال:
1- إتقان قواعد النطق و الإملاء و أصول الكتابة، إن كانت الترجمة شفوية في اللغة المترجم إليها أو قواعد الإملاء وأصول الكتابة في هذه اللغة إن كانت الترجمة تحريرية.
2-مراعاة التعادل أو التقابل المعجمي أو الاصطلاحي، ذلك أن التعبير العربي يبدي ضعفا كبيرا، مثلا: لا يوجد له مقابل حرفي سليم ذو دلالة بأي لغة أخرى (الترجمة مضحكة)، فقد ترجمت كلمة: bouc émissaire : تيس يسعى أو عتروس مبعوث بدل متهم أو ضحية accuse ou victimeأو على اقل تقدير: كبش فداء مثلا وكما هو شائع في الجانب الدارج من الحياة اليومية، وهنا تطرح إشكالية المصطلح ومضامينه المرئية والخفية؛فقد أطلعت -كما اطلع غيرنا- على تلك الدراسة القيمة المقدمة من طرف الباحث عزا لدين أبرجي حول إشكالية المصطلح وما يخفي في طياته من دلالات واقعية؛ مما يجعلنا نعترف كما يعترف غيرنا و بمرارة، بأنه لا يمكن طلب الرقي والتقدم إلا بعد حل لغز المصطلحات، لان هناك حقيقة مصطلحات دخيلة وخاصة تلك المصطلحات الغربية. لم نفهم للأسف في العالم العربي والإسلامي ذلك المصطلح في السياق الثقافي والتاريخي والفكري والسياسي الذي أنتج مصطلح le développement:، مع أن هناك تحديدا بالأصل وبالتعامل مع نقطة أخرى تتمثل في كلمةenveloppement مع ما تتضمنه هذه الكلمة في طياتها من تفسيرات وتأويلات غامضة، فالكلمة الأخيرة تعني القبض واللف والتطويق، بمعنى أن هذا المصطلح لا يعني التنمية بما فيها من تطوير وتقدم ورفاهية، وإنما يعني التوسع والانبساط في بداية استخدام ،أي يحمل في ترجمته العمقية منحى كولونياليا (استيطانيا). هناك بؤس أخر في الترجمة دون إدراك الدلالات الترجمة الآلية، فعلى سبيل المثال، الترجمة الآلية أنتجت على سبيل الاستدلال ترجمة عربية مبتورة المعنى للمثل القائل: out of sight، out of mind ، حيث ظهرت: ترجمتها الحرفية (خارج عن البصر خارج عن العقل)، والمقصود بذلك: البعيد عن العين بعيد عن الخاطر، ولهذه الظاهرة تأثيرات الترجمة غير متحكم فيها بحكم التكوين الترجمي غير المتخصص وإسناد كل العمل للمترجم الآلي دون إضفاء المسحات الجمالية والذوق الترجمي عليها، لان الترجمة الآلية ليست بديلة للترجمة الكلاسيكية إنما مكمل لها. وقفنا ميدانيا على واقع الترجمة الآلية عند اقتراحنا ترجمة بحوث محاسبية لطلبة العلوم التجارية (فرع المحاسبة) للسنة الجامعية: 2004/2005 بجامعة محمد بوضياف-المسيلة- الجزائر (ينظر: الملحق رقم 2)، اخترنا موضوع محاسبة التسييرComptabilité de gestion وكذلك موضوع المحاسبة المالية Comptabilité financière بعد الحملة الإعلامية الخاصة بتطبيق النظام المحاسبي المالي Système comptable financier (S.C.F) لان طلبتنا تعودوا على أشكال من الدراسات المحاسبية لا تتماشى وعولمة المعلومات المعيارية والتي باتت شكلا من أشكال القبول في المنظمات المهنية الدولية وكأحد شروط القبول في المفاوضات التجارية والأعمال؛ مما يعرض كيان الشركات للتدهور وحتى الإفلاس، وقد اقترحنا الترجمة من كتاب: Comptabilité de gestion، de Yves Dupuy واخترنا نموذجين من هذا النوع من الترجمة الآلية التي تم إنجازها من طرف طلبتنا، نوردها كما يلي :
النموذج الأول: يدور الموضوع حول محاسبة التسيير Comptabilité de gestion، وكانت ترجمة إحدى الفقرات كالتالي: تعريف أو مناقشة الإحساس (اتجاه) المحاسبة (قسم حسابات) من الإدارة يعبران لذا، في القاع، (حقا) بالتحليل النظري للتقارير (ارتباطات) بين التركيب والعملية، والتأثيرات التي تنتج منه، من وجهة نظر التشكيل (تدريب) المحاسبة (قابلة للعد) نتيجة. أن رسو هذا النقاش الذي يتعلق بظهور الأداء الاقتصادي في النظرية الكلاسيكية، لأي اختلافات النتيجة تعتمد في طريق مباشرروخاص تقريبا على اختلافات الإنتاج“.
يلاحظ من القراءة المتأنية لهذه الترجمة، أنها لا تعطي أي معنى مفهوم يذكر، لكن رغم ذلك؛ بإمكان المترجم الاحترافي الواعي بالمصطلحات المحاسبية والمالية تفكيك الرموز واستنباط خيار آخر أكثر دلالة، إلا أن ضياع الوقت والتكاليف المرتفعة في الترجمة تصبح كبيرة جدا. استغل أصحاب مقاهي الانترنيتCyber لهفة الطلبة للترجمة، فرفعوا تسعيرة ترجمة الصفحة الواحدة إلى مستويات مبالغ فيها، لكن هناك من الطلبة من استعان بأساتذة اللغة الفرنسية لفك غموض بعض الكلمات فجاءت ترجمتهم قريبة من الواقع؛ إذن لا يمكن أن تحل الآلة محل الجانب الإنساني في الترجمة.
النموذج الثاني: المهن المحاسبية في أوروباprofessions comptables en Europe للكاتب :Bernard Olivero والتي جاءت ترجمتها الآلية كالتالي: “عندما واحد يتكلم حول محاسبة (القابلة للعد) مهنة، واحد يشير إلى النشاط خارجي في الشركة، مارس عموما تحت الشكل التحرري. يرافق Structuralization هذه المهنة تطور النشاط الاقتصادي عموما والأسواق المالية بشكل خاص . وتنظم لذا المحترفين زمنيا على الخطة الوطنية، ثم إقليمي واليوم عالم. الإطار القانوني هذا النشاط تطور باستراتيجية البناء الأوروبي، قدم من قبل أعضاء الولايات.
التاريخ الاقتصادي لكل حالة بعد أن ولدت لمحات الحياة مختلفة عن المحترفين، تفرض أولويات العولمة اليوم لمجانسة المهنة”
لا مجال للمقارنة في الترجمة حتى الحرفية لهذه الفقرة، وهذا ما يثبت أن نفقات الترجمة لم تكن سوى تحايلا على زبون الترجمة، ويبقى للاحترافية دورها الدائم لان العمل الإنساني الفطري لا يفنى، وجمالية الترجمة لا تعتمد على الجانب الآلي إلا كتكملة أولية في إطار الانجاز الترجمي، ولتجنب أخطاء هذا النص-بمعنى هذه الأخطاء- لا بد للمترجم أن يعرف قواعد التقابل والتكافؤ المعجمي والاصطلاحي، وإلا بقي النص المترجم دون فهم أو حتى مجرد نص مكتوب، إضافة إلى ذلك، هناك المعرفة المتبصرة في ادراج القواعد النحوية والصرفية واستعمالاتها في اللغة التي يترجم إليها؛ ذلك أن الترجمة كالكتابة آو التأليف تخضع لنفس قواعد الصحة اللغوية والقواعد الأسلوبية ممثلة ومختزلة في القاعدة البلاغية لمثل هذا المقام، فقد تكون العبارات صحيحة نحويا ومعجميا ولكنها خاطئة من حيث الاستعمال لذا يفضل بعض منظري الترجمة أن يكون المترجم من أهل اللغة المترجم إليها من خلال تقسيم العمل إلى عمليتين متكاملتين:
أولا:- عملية إيجاد المقابلات المعجمية والنحوية والأسلوبية لأجزاء النص المترجم.
ثانيا:- عملية التأليف آو التوليف أي صياغة الجمل الناتجة من عملية النقل السابقة صياغة صحيحة صرفيا ونحويا وأسلوبيا .
هناك مشكلات جوهرية في فهم النص، ولإدراكها يتعين على المترجم المحترف إتباع خطوات ممنهجة، لان لكل مترجم خصوصياته الذاتية في الترجمة.ومما سبق الإشارة إليه؛ فانه لا يمكن قطعا أن يكون الحاسوب منافسا خطيرا للمترجمين في المستقبل المنظور فهو آلة وبرمجياتLogiciels . وخلاصة القول: ما تزال الترجمة الآلية في عالمنا العربي عامة وفي الجزائر خاصة تعاني من معوقات عدة نتيجة الجهل بأهميتها ولا نقر بالأهمية المطلقة، ولكن بالأهمية النسبية -رغم الصعوبات الممكن تذليلها- وهذا الجهل يخص مختلف أهل الاختصاص في العلوم الاجتماعية والدقيقة، وحتى علماء اللسانيات والمعلوماتية، ومجتمع المترجمين أنفسهم ويتجلى ذلك من خلال تجاهل للتقنيات الحديثة المستخدمة في هذا المجال وتجاهل أكثر لروابط الترجمة الآلية بمنظومة العلوم الأخرى ذات الصلة الوطيدة- كما هو وارد أدناه:
6-1 مكانة الترجمة الآلية بين العلوم الأخرى: تشكل الترجمة الآلية ميدانا ومجالا حيويا للبحوث النظرية والتطبيقية المهتمة بمعالجة اللغات الطبيعية بالحاسوب computer–based natural language processing، N.L.P.، وهي تتبع ما يعرف باللسانيات الحاسوبية وcomputational liguistics، cl وهو بدوره فرع من علوم الذكاء الاصطناعي artificial intelligence A.L بشكل عام، وهذا الحقل الواسع من العلوم أي اللسانيات الحسابية يتناول ويستكشف الآليات الأساسية التي تقوم عليها اللغة والعقل وذلك بوصفها وصياغتها رياضيا باستخدام اللغات الصورية والاصطناعية لوضعها في نماذج ومن ثم محاولة محاكاتها في البرامج الحاسوبية أما الذكاء الاصطناعي فهو يدخل بوصفه أساسا في مكونات جميع نظم التحكم الآلي والنظم الخبيرة automatic control systems and expert systems على السواء والتي نسمع عنها اليوم بكثرة وذلك بإتباع أساليب مماثلة: الوصف والصياغة والنمذجة والمحاكاة الحاسوبية للعمليات المعنية، ومن الأمثلة عن التحكم الآلي نذكر: التصنيع الآلي للسيارات والأجهزة المختلفة أو القيادة الآلية للمركبات والطائرات، أو من أمثلة النظم الخبيرة التي تقوم عادة على قاعدة معرفةknowledge base مختصة بحقل معين من العلوم نستطيع أن نذكر النظم الخبيرة Les Systèmes experts في الطب، الزراعة أو في اللغة، حيث أن البحوث في الترجمة الآلية تتعلق فقط بتلك الجهود المهتمة عن كثب بتبني كل التوجهات النظرية والتقنيات العملية وتطبيقها على السواء لأتمتة المراحل الجزئية المتتالية في عملية الترجمة الكلية التي تشمل التحليل الصرفي والنحوي والدلالي في اللغة، -كما ذكرنا آنفا- المصدر والتوليد الصرفي والنحوي والدلالي في اللغة الهدف، وهنا لا بد من معرفة ما يلي: علوم الحاسب والمعلوماتية، علوم الالكترونيات، علوم اللسانيات، علم الترجمة.
هناك مفاهيم لا بد من معرفتها قبل الولوج في معالجة الإشكالية ومنها مفهوم الترجمة، فالترجمة هي عملية نقل معاني نص من لغة إلي لغة أخرى مع مراعاة الدقة والأسلوب، وهناك معياران لابد من مراعاتهما عند نقل نص من لغة إلي أخرى: هما: الدقة والأسلوب، فالدقة تعني مراعاة المحتوى الدلالي أو محتوى النص الأصلي، أما الأسلوب فمعناه مراعاة المحيط الدقيق الذي يكتب فيه النص سواء أكان النص شعريا أم نثريا أو تقنيا أو علميا، ولكل واحدة أسلوبها المميز. كل مترجم جيد عليه مراعاة تلك العوامل ونقل ذلك عند الترجمة إلى اللغة الهدف مع مراعاة الخصائص اللغوية والأسلوبية للغة المترجم إليها، ونشير إلى أن عمليات الترجمة تكمن في بعدين أساسيين هما: فهم النص الأصلي من جهة والتعبير عن المحتوى والأسلوب بلغة ثانية من جهة أخرى، ومن هذا المنطلق فحين الإفصاح بفهم النص واستيعابه، فهذا يعني عدة عناصر يمكن اختزالها في نقطتين أساسيتين :
أولا: تعرف المترجم على الرموز المكتوبة في الترجمة الكتابية والرموز الصوتية في الترجمة الشفوية، أي يتعرف على أصوات اللغة التي يستمع إليها إن كانت ترجمة شفوية أو يقرا الرموز الكتابية للغة التي يترجم منها إذا كان النص مكتوبا.
2- التعرف على الوحدات المعجمية، أي الكلمات والتعابير الاصطلاحية مع فهم معانيها في سياقاتها اللغوية والاجتماعية المختلفة وكذا سياقاتها المختلفة كون الكلمة الواحدة تعني أشياء كثيرة طبقا للسياق الذي ترد فيه فمثلا : كلمة مخزن إذا ما أردنا ترجمتها إلى الفرنسية، سنجد أنها تختلف إذا ماكنا نعني خزان معارف أو مخزن سلع أو مخزن آخر أو محل تجاري أو شهرة محل، وهكذا سنجد لا محالة مصطلحات مختلفة النطق ولكنها ذات معان متقاربة سواء باللغة الفرنسية أو الانجليزية: (magasin – fonds de commerce – good will ) وعلى نفس المنوال نرصد كلمات أخرى مثل: كلمة الشراء achat، أو الاقتناء acquisition، فهما يعبران عن نشاطين مختلفين على التتالي: شراء البضاعة أو المواد الأولية واقتناء الاستثمارات، بدل شراء الاستثمارات كما هو شائع في أدبيات المحاسبة والاقتصاد، وهناك كذلك كلمة عولمة وكوكبية وكوننة globalisation، globalisation فكل واحدة من هذه الكلمات لها مقابلات في اللغة الفرنسية والانجليزية قد تختلف عن الآخر من حيث النطق تارة والمعنى العميق تارة أخرى. خذ مثلا المصطلح الفرنسي (dévaluation،dépréciation، détérioration) فيقصد بها على التوالي: انزلاق، تدهور، تخفيض، وكذلك الشأن في مصطلح الندرة والشحة اللتين يختلف معنى ومضمون كل منهما: la rareté et la pénurie… وهنا تظهر أهمية الترجمة من العربية إلى العربية والترجمة الوسيطة، وهذا ما يؤكد الكسل اللغوي أو الكسل الذهني؛ فلا يوجد إبداع جمالي وتكييف لأجل إيصال الفكرة والمصطلح مما يخلق تناقضات في الاتصال وإنجاز الأعمال؛ لان السوق ديناميكية وحراك لا ترحم المتعامل.
وهنا يتبادر للذهن إعادة تذكر المفهوم الديناميكي والحركي للترجمة الآلية كلما تطلب الآمر ذلك، مع التركيز على الاهداف الجوهرية العميقة.