- واقع اللغة العربية في عصر المعلومات
تتباين المعلومات واللغات المتداولة عبر الشابكة ويتزايد حجمها كل يوم، وفي ظل هذا الانفجار المعرفي والحجم الأسي للمعلومات المتبادلة تبقى نسبة التمثيل الإجمالي للمحتوى الرقمي باللغة العربية على الشابكة 3%، نسبة هزيلة لا ترقى لرصيدنا الحضاري في الوقت الذي تعاني لغات أخرى من صعوبة التحكم في حجم المعلومات ونوعها بسبب ضخامة المحتوى وتنوع أشكاله، تعاني اللغة العربية شحا في المعلومات الرقمية المتاحة على الشابكة.
2 – التحديات اللغوية التي تواجه نظم المعالجة الآلية للغة العربية
يمثل الثراء المفرداتي والصرفي وحتى النحوي أهم أسباب اللبس التي تعترض طريق نظم الترجمة الآلية :
2-1 خصائص منظومة الكتابة العربية: يصنف الدكتور نبيل علي منظومة الكتابة العربية[1] كما يلي: ترتبط منظومة الكتابة بعلاقة وثيقة مع الجانب الصوتي كونها تنطق كل ما يكتب خلافا للغة الإنجليزية التي لا تنطق كل الحروف المتضمنة في الكلمة وعلى سبيل المثال كلمة Knight لا تختلف في النطق عن كلمة Night.
2-2 مشكلة تشابك الحروف: بالنسبة للطلبة الأجانب هناك صعوبة كبيرة في تعلم كتابة الحروف مثال : كتب – كاتب كلمتين مختلفتين تماما ورغم ذلك هناك بعض الاجانب لا يفرقون بين هاتين الكلمتين.
2-3 لا توجد قواعد لتمييز أسماء الاعلام في اللغات الاجنبية، فمثلا في اللغة الإنجليزية يمكن إضافة التفخيم Capitalization للحرف الأول لاسم العلم لتمييزه عن باقي الكلمات بينما لا يمكن ذلك باللغة العربية.
- غياب حركات التشكيل عن النصوص العربية قد يجعل قراءتها صعبة لغير المتكلمين باللغة العربية.
- تعدد أنواع الخطوط العربية يصعب القراءة فكتابة كلمة “المـنضدة ” و “المنضدة” بنوعين مختلفين من الخطوط يصعب على القارئ غير العربي ان يخمن بأن حرف ” الميم” يكتب بطريقتين مختلفين .
3-1 طريقة النطق: يجد بعض الطلاب غير العرب صعوبة في التمييز )في النطق( بين حرفي التاء والطاء، الكاف والقاف، العين والهمزة وغيرها. وكذلك الشأن بالنسبة لنطق الحروف التي يفترض أن توضع فوقها بالشدة.
3-2 ثراء النحو العربي يصعب المعالجة الآلية للجملة العربية: لقد عمل النحاة على وضع قواعد اللغة العربية بدقة لا متناهية حرصا منهم على اللغة إلا أن ذلك أصبح يشكل تحديا كبيرا أمام نظم المعالجة الآلية خاصة في غياب استراتيجية واضحة للتنسيق بين اللغويين و مهندسي المعلوماتية لحصر هذه القواعد.
مثال: مفهوم التضمين في اللغة العربية حسب ابن هشام: “التضمين هو أن تشرب لفظا معنى لفظ آخر، فتعطيه حكمه. وفائدته أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين”[2]. من الصعوبة بمكان في هذه الحالة انتاج ترجمة دقيقة بصفة آلية نظرا لعدم توفر متون لغوية مكرسة لحالات التضمين الواردة ضمن النص الأصلي.
3-3 أسلوب نطق الكلمة العربية ومواضع نبرها
يتحدد بشكل قاطع على أساس سلسلة حروف الكتابة دون حاجة لكتابة صوتية على غرار اللغة الإنجليزية. فمثلا حرف »الثاء: ث« يقابله حرفين في اللغة الإنجليزية «Th»مثل كلمةThree ، وكذا حرف »الذال: ذ« يقابله «Th» على غرار كلمة There، ونلاحظ أن ثنائية الحروف «Th» تنطق بطريقتين مختلفتين كما ورد في المثالين، أما حرف» ش« فيقابله حرفي «Sh» باللغة الإنجليزية.
3-4 ظاهرة الاختصار في اللغة العربية
تتميز اللغة العربية بالاختصار، والسبب يرجع إلى بعض الخواص اللغوية التي تمتاز بها اللغة العربية ومن بين هذه الخواص نذكر التالي:
التضام البنائي (الإنشائي)
مثال ذلك كلمة ” أَخَشِيتُمُوهُمْ” والتي تكافئ جملة في اللغة الإنجليزية
Did you fear them? أو? Were you scared of them
انضغـاط الجذر:
تتميز اللغة العربية عن غيرها من اللغات بظاهرة انضغـاط الـجـذر حيث يمكن ضغط بعض الأفعال الثلاثية وتعويضها بحرف واحد. ومثال ذلك الفعل ‘وقى’ فعند استعمال صيغة الأمر مع ضمير المخاطَب (أَنْتَ أو أَنْتِ) يتقلص الفعل ليصبح حرفَا “قِ” ويمكن أن تقابله في اللغة الإنجليزية عدة كلمات: Preserve، Shield، Guard، Safeguard، Protect ويرتبط اختيار الكلمة المكافئة بسياق الكلمة باللغة العربية.
وضـــــوح الـلـــفــــظ
تتميز الحروف العربية بكونها واضحة وذات مخارج محددة، خلافا للغة الإنجليزية التي تتغير طرق نطقها من كلمة إلى أخرى. فلو أخذنا حرف«a» كمثال نجد أن طريقة نُطقه في كلمة Make تختلف تماما عنها في كلمة Action. كذلك الشأن بالنسبة لحرف u في كلمتي Union و .Understand
4- صعوبات المعالجة الآلية للغات الطبيعية [3]
- يشكل فهم اللغات الطبيعية مسألة معقدة بالنسبة للحاسوب ولهذا فكر خبراء الذكاء الاصطناعي في تزويده بخوارزميات تعتمد على الاستدلال وطرق البحث الاستكشافي heuristics إضافة إلى قواعد المعارف Knowledge Databases للتدريب التلقائي للحاسوب automatic training بغية تمكين هذا الأخير من معالجتها (اللغات الطبيعية) دون الحاجة لفهمها مستغلين بذلك قدرة الحاسوب الهائلة على المعالجة في وقت قياسي فضلا عن طاقته لتخزين ملايين المعلومات.
ومن خلال تنفيذ هذه الخوارزميات يخيل إلى مستعملي هذه النظم أن الحاسوب قادر على فهم هذه اللغة في حين أنه في حقيقة الأمر يقوم بعمليات (مقارنة واستدلال واستكشاف) لا متناهية الدقة وفي غاية التعقيد توحي بأن الحاسوب يفهم هذه اللغات وذلك ما يعتبره الخبراء محاكاة simulation للذكاء البشري.
- الحاجة الماسة إلى حجم هائل من المعلومات: وهناك عدة طرق لتمثيل المعلومات، فقد تكون على شكل قواعد معارف Knowledge Bases.
- قواعد بيانات، Data bases، متون لغوية linguistic corpora، أونتولوجيات [4]ontologies وغيرها من مصادر المعلومات علما بأن أنماط النظم البرمجية هي التي تحدد نوع مصادر المعلومات الواجب استخدامها.
4-1 المشكلات اللغوية المشتركة بين اللغات الطبيعية[5]
هناك عدة مشكلات لغوية مشتركة بين مختلف اللغات الطبيعية نذكر منها:
- صعوبة إزالة مكامن اللّبس المرتبطة ارتباطا وثيقا بمنظومة الكتابة في أي لغة طبيعية وبالتالي تعقيد الخوارزميات المخول لها فك هذا اللبس.
- مشكلة الاشتراك اللفظي: يمكن لمفردة واحدة أن يكون لها عدة معاني
- مشكلة اختلاف المعاني (بين اللغة الأصل ولغة الوصل).
- مشكلة ربط الكلمات وتكوين الجمل: يصعب على الحاسوب على غرار المترجم البشري إيجاد نظائر للتراكيب اللغوية بين اللغة الأصلSource Language ولغة الوصلTarget Language ، دون إدخال تغيير ولو طفيف في الصيغة الأصلية لأن كل لغة تتميز بأساليبها الخاصة ولا يمكن فرض أسلوب اللغة الأصل على لغة الوصل لأن ذلك قد يؤثر سلبا على مستوى الترجمة.
- مشكلة ربط الجمل وتكوين الفقرات.
4-2 المشاكل المرتبطة بالمعالجة الآلية للغة العربية[6]
- العبارات المسكوكة Idioms: غياب معاجم مختصة في العبارات المسكوكة (التعابير الاصطلاحية) إضافة إلى غياب تقييس موحد للمصطلحات Terminology.
- استعمال العبارات المجازية.
- اللَّبْسُ النَّحْوِيُّ: في غياب حركات التشكيل
4-3- الإبهام الناتج عن تعقيد البنية التركيبية للنص الأصلي:
- استعمال أساليب تصنف ضمن أساليب البلاغة في النص الأصلي
تشكل تحديا كبيرا لنظم الترجمة الآلية خاصة في غياب حركات التشكيل.
- اللبس الدلالي: تشكل حالات اللبس الدلالي معضلة حقيقية بالنسبة لنظم الترجمة الآلية، والسبب يعود غالبا إلى غياب حركات التشكيل.
- ندرة استعمال علامات الوقف والفواصل في النصوص العربية يضفي عليها نوعا من التعقيد، مما يصعب من مهمة نظم المعالجة الآلية.
- القصور الموجود على مستوى المتون اللغوية (الذخائر النصية) يحد من مستوى الترجمة في نظم الترجمة الإحصائية، لأن نتائج تدريب نماذج الترجمة ونماذج اللغة مرتبطة بحجم المتون اللغوية.
- محاولة استيعاب اللغة العربية في نطاق التقنيات المصممة أصلا للغة الإنجليزية.
5 – ظاهرة ازدواجية اللغة العربية :
تعريف ظاهرة ازدواجية اللغة: “هي حالة لسانية مستقرة نسبياً يتواجد فيها مستويين للكلام من نفس اللغة كالعامية والفصحى أو من لغتين مختلفتين (كالعربية والفرنسية) وهذان المستويان يستخدمان بطريقة متكاملة وأحدهما له موقع اجتماعي ثقافي مرموق نسبياً على الآخر عند المجموعة اللغوية الناطقة بهذه اللغة. بعض الباحثين ذهبوا إلى القول بأن هناك مجموعة من المستويات اللغوية في اللغة العربية وليس فقط مستويين وهذا ما سموه بالتعددية اللغوي[7]” وتعاني اللغة العربية من هذه الظاهرة في مجتمعاتنا وبات التفكير في إيجاد حلول ناجعة من شأنها الحفاظ عليها وإنقاذها من التشويه مسألة ملحة. خاصة في ظل الانفجار المعرفي الذي فرض مصطلحات جديدة دخيلة على اللغة العربية لكنها فرضت نفسها على اللغة العربية في غياب مصطلحات عربية صحيحة تكافئ لغويا هذه المصطلحات الدخيلة.
ويرى بعض اللغويين بأن الفصحى الحديثة هي الحل : لتوسيع استعمال اللغة العربية عوض تعويضها باللهجة العامية.
6– سبل التعاون بين اللغويين وخبراء اللسانيات الحاسوبية
يعنى مجال اللسانيات الحاسوبية بتكريس القدرات الفائقة للحاسوب لمحاكاة الذكاء البشري لمعالجة اللغات الطبيعية آليا وبالتالي يحتاج لتضافر جهود اللغويين وخبراء المعلوماتية على حد سواء.
والغرض من هذا التعاون استنتاج قواعد لغوية قابلة للحوسبة لإدماجها ضمن نظم الترجمة الآلية، وقد تم ذلك في لغات أخرى مثل اللغة الإنجليزية غير أن اللغة العربية تتوفر على قواعد دقيقة بإمكاننا الاستفادة منها لإثراء المحللات اللغوية بغية تحسين مستوى النصوص المترجمة ضمن نظم الترجمة الآلية الاحصائية. في المقابل هناك عمل شاق ينتظر اللغويين في مجال الترجمة الآلية الاحصائية ويتمثل في تطوير موارد لغوية على غرار المتون اللغوية المتخصصة ويحبذ أن تكون موسومةannotated .
لقد أثبتت التجربة أن تقريب المسافة بين اللغة والحاسوب يؤدي إلى تحسين أداء نظم المعالجة الآلية للغات الطبيعية لكن ذلك لن يتأتى إلا إذا استوعب كل من خبراء المعلوماتية واللغويين أن هدفهم واحد ويتمثل في التكفل العلمي باللغة وأن توفير نظم للمعالجة الآلية للغة العربية من شأنه تعزيز مكانة ثقافتنا ولغتنا ما بين الأمم.
7- إعادة اللغة العربية إلى مجتمعنا العربي
لا نريد أن نصل إلى حال منفصل عن الواقع، فنغدو في واد وأهلنا في واد، وليس الغرض ولا الهدف تهجماً على لغتنا العظيمة، لأننا جميعا متفقون على أن المشكلة ليست في اللغة بل في متكلميها ولهذا نريد تبسيطا لا تهميشا ولا خروجا عن الأصل، وجلّ المبتغى الوصول إلى لغة تجمعنا لا تفرقنا. وهنا يحضرنا كلام عباس حسن في باحثينا المعاصرين الذين ابتعدوا عن النحو، فكرّسوا كمعلمينا الجفاف في درس النحو “أهملوه ولم يتناولوه تناولاً يبعث الحياة في قديمه ويجمع ما تفرّق منه، وإصلاح وتيسير يحببه إلى النفوس ويبعد الجفاف عنه، وليتهم اهتموا به كما بذلوا الجهد في غيره لكانت الإفادة منه أعم”1 ويؤكد على هذه الفكرة سليمان العايد إذ يقول في كتابه تدريس النحو “يدرس الطالب وهو يحسُّ أنّه يتعلّم، أو يتلقّن قواعد وقوانين بعيدة عنه، وعن حياته، ولغته، ليس بينهما أدنى ارتباط”2 كان لي تجربة عظيمة بقدومنا إلى هذا البلد العظيم الجزائر، ففي هذا البلد شعرت كم أننا بحاجة أكثر من ماسّة لمثل هذا المطلب، للغة تجمعنا نحسّ بها لا لغة نتكلمها للتواصل فقط.
قديما خدم متكلمو لغتنا لغتهم وأثنى عليهم وعلى جهودهم غير العرب، فقدموا لها شيئا مما تستحقه وكان الظرف مساعدا لهم فلم تكن حضارة في العالم تسبقها بل ويحلم الجميع بالوصول إلى مجدها وشأوها، أما الآن نقولها – والحسرة تملأ أفئدتنا – تغير الحال فأصبحنا في ذيل العالم بعد أن كان أجدادنا رأسه، ومن هنا فما كنا نفرضه ونقدمه للعالم انقلب علينا فيفرض علينا كل شيء حتى غزا لغتنا وكل دقائق حياتنا…
فتعالوا نجد سبل تواصل بيننا وبين أنفسنا أولا وبيننا وبين العالم من حولنا تاليا، وكيف يتأتّى لنا ذلك ومدارسنا تعلّم النحو بفلسفة بعيدة كل البعد عن طلابنا، وتحتاج مصطلحاتها شرحا لا نهاية له وفي هذا الجانب يرى محمد صاري “هناك طبيعة المادة النحوية المدرّسة في حد ذاتها، فهي – في الكتب والمقررات التعليمية – نوع من التحليل الفلسفي، فيها كثير من المصطلحات والحدود والتفريعات التي يعجز عن فهمها المعلمون، فضلا عن المتعلمين” (3).
لن نطيل في هذا التقديم، ولكنّنا نفكر كما يقال بصوت عال، بسؤال يؤرقني ليل نهار:
من منا يستطيع أن يتكلم بلغة فصيحة مضبوطة لدقائق دون أن ينزلق إلى الدارجة؟ وحين يعود للفصحى يرفع المنصوب وينصب المرفوع، ويجزم أنه يتكلم الفصحى بطلاقة قريش، ومن هذا الجانب لام سليمان العايد معلمي العربية “غالب أساتذة ومعلمي النحو لا يعنون منه إلا بالجانب الشكلي المتعلّق بالإعراب، وما يتصل به، في حين يهمل المعنى، وإدراك المعنى النحوي هو الذي يشدّ الدارس ويجذبه، وقد لاحظنا هذا من خلال الممارسة، حتّى إنك لتجد الطالب يفغر فاه بما يسمع في درس النحو ممّا لم يتعوّد سماعه فيه .
وينأى معلِّمو اللغة العربية وأساتذتها عن توظيف الفطرة اللغوية في درس العربية، حيث يشعر الطالب من خلال الدرس أنّه يتعلّم شيئًا لا علاقة له به، بل هو شيء بعيد عن حياته؛ من المسلّم به أن أيّ لغة بل أيّ مستوًى لا يخلو من نظام يدركه مستعمل اللغة بفطرته، وحسِّه، ليس بحاجة أن يتعلّمه من خلال دروسٍ يقدّمها ملقِّنون أو معلِّمون؛ ومن النحو الفطري ما يحسن أن يكون منطلقًا لدرس العربية 4
من منا لا يخطئ بلفظ حركات بديهية؟، وهنا ليس المراد رفض الإعراب بل تيسير ما أمكن منه ولا نتفق مع الدكتور إبراهيم أنيس الذي نسف الحركات كليا في دعوته إلى تيسير العربية “إنّ الحركة الإعرابية ليس لها أي مدلول بل إن وظيفتها هي وصل الكلام بعضه ببعض”5
كل يوم نرى في إعلامنا العربي وفي بعض القنوات التي لا يسعنا إلا شكرها لاحترامها لنفسها بمحاولاتها الحثيثة في المحافظة على هذه اللغة، وبالتالي احترامها متلقيها، وبلا شك هناك قنوات لا ترقى لمصاف نعتها بالعربية.
حركة عين الفعل الثلاثي:
بدءاً ذي بدء نتوقف عند حركة عين الفعل الماضي الثلاثي فمن يؤكد أن الحركة فتحة لا ضمة ولا كسرة، ونعرف أن علماءنا في الماضي حاولوا تقعيدها فما ازدادت إلا تعقيدا، ولا أظن أن المعنى سيتأثر إن قلنا:
عمَل بدلا من عمِل
حرَص بدلا من حرِص
فلَح أو فلُح أو فلِح
وكثيرا ما كنا نُسأل من قِبل طلابنا عن فعل بعينه أعينه مضمومة أو مفتوحة أو مكسورة؟؟ فنقول: نظنّ أنّه مفتوح أو مضموم أو مكسور وجوابنا طبعا لا يستند على قاعدة بل نعود به إلى لهجاتنا وسماعنا، وكأنّ الأمر تأكيد غير مباشر لولادة اللغة، التي هي سماعية لا قياسية، وفي هذا السياق لا ننكر المحاولات الحثيثة لتبسيط النحو وجعله في متناول المتعلم كما يقول الدكتور فؤاد نجم: “ما انفك التراث النحوي يحظى بالقراءة منذ بزوغ فجر العصر الحديث . حيث انكب عليه المستشرقون والدارسون العرب بحثا فيه عن مواطن القوة وعن إمكانية التبسيط . فقد كان الهم الذي حرك دعاة التجديد هو جعل قواعد النحو العربي في متناول المتعلم بعيدا عن نقاشات المدارس وتعليلات النحاة وأقيستهم”6
ولو حاولنا تقعيدها من جديد لما اهتدينا السبيل وسنضيّع من الوقت الكثير الكثير ونحن بأمسّ الحاجة لدقيقة في عصرنا هذا.
العدد ومعدوده:
ثم يأخذنا الطرح إلى مبحث من مباحث اللغة قد يكون أيسر من سابقه ولكنّه يؤثر على ناطقي اللغة أولا ومتعلميها ثانيا، فمن يستطيع أن ينطق الأعداد بقواعد صحيحة؟ وكلنا يعرف إشكاليات العدد وقواعده مع معدوده التي تأخذ وقتا طويلا في تعلّمها، ولكن تبقى فيها إشكاليات متعددة، تبدأ بالأعداد البسيطة من خلال تذكيرها وتأنيثا، إلى مطابقتها ومخالفتها للمعدود، وكذلك عطفها ونعتها، إلى قواعد خروجها عن هذه القاعدة ودخولها بقواعد المثنى حينا وبقواعد المبني والمعرب حينا آخر، إلى النعت في العدد الذي يأتي على وزن فاعل وإشكالياته إن سبق المعدود أو تأخر عنه، وصولا إلى الاسم المنقوص في العدد ثمانية، وهنا قد يقول قائل: أنت تلغي مبحثا مهما، وتسيئ به إلى لغتنا العظيمة. وهنا نقدم مقترحا يسامح المتكلم أو الناطق ويحاسب الكاتب، فالمتكلم إن وقف عند هذه القواعد فقد يتعطل فكره أحيانا ويحيد عن الفكرة، وهو بأمس الحاجة إليها في حواره، أما الكاتب فعنده الفسحة ليتذكر ويصحح نفسه ذاتيا. وللتذكير فنحن مختلفون في قراءة العدد إذ إنه يُقرأ بطريقتين:
1ـ من اليسار إلى اليمين.
2ـ أومن اليمين إلى اليسار وبرأي النحاة هي الأفضل.
فمن أمثلة تذكير العدد وتأنيثه:
ـ مررت بمنزلٍ واحد.عندي سيارة واحدة.
ـ اشتريت قلمين اثنين.في البيت ضيفتان اثنتان.
ـ في الشركة اثنا عشر عاملا واثنتا عشرة عاملة.
ـ نجح اثنان وعشرون طالبا واثنتان وعشرون طالبة.
والأمثلة عن إعراب العدد:
في المزرعة خروفان اثنان ونعجتان اثنتان. نعت
ـ تغيب اثنا عشر تلميذا. فاعل
ـ اشتريت اثني عشر قلما. مفعول به
ـ حضر ثلاثةُ رجال. فاعل
ـ اشتريت عشْرَ مجلات. مفعول به
ـ حضر أحدَ عشرَ عاملا. فاعل
ـ كرَّمنا ثلاثةَ عشرَ ناجحاً. مفعول به
ـ في المزرعة أربعة عشرَ خروفاً. مبتدأ
ـ في القاعة عشرون طالبا. مبتدأ
ـ قرأت ثلاثين صفحة من الكتاب. مفعول به
ـ عثرت على خمسين صورة. اسم مجرور
ـ عندي مئة دينار. مبتدأ
ـ حفظت مئةَ آية. مفعول به
ـ نجح ألف طالب. فاعل
والأمثلة عن العدد الذي على وزن فاعل ويكون نعتا:
حفظت السورة الثالثة. سجل فريقنا هدفا ثانيا.
كرمنا الفائز الأول والفائزة الأولى.
دقت الساعة الحادية عشرة. يسكن أحمد في الطابق الثاني والعشرين.
المثنى:
أما المثنى والجميع يعلم أن اللغة العربية الفصحى هي الوحيدة، على ما أظن، بين لغات العالم تختص بهذا البحث، وقد يأتي من يقول: إن للمثنى أهدافا عظيمة أهمها: الدقة فضلا عن الاختصار، إذ نختصر الجملة أو نعوّض عن الكلمة التي ستعبّر عن المثنى بألف ونون أو ياء ونون، ولتأكيد هذه الفكرة يشرح ابن الأنباري أصلية الواحد للاثنين والجمع بطريقة أخرى “إن قال قائل ما التثنية؟ قيل: التثنية صيغة مبنية للدلالة على الاثنين وأصل التثنية العطف نقول: قام الزيدان وذهب العمران، والأصل قام زيد وزيد وذهب عمرو وعمر، إلا أنهم حذفوا أحدهما وزادوا على الآخر زيادة دالة على التثنية للإيجاز والاختصار”7 ويؤيده الدكتور أحمد جمال الدين إذ يقول “إن المثنى دليل على دقة اللغة العربية، وهذا يجعلها من أفضل اللغات قدرة على التعبير عن المعارف العلمية”8 ونتساءل من جديد هل تنحصر اللغة بالمعارف العلمية؟ وهل ضعُفت لغات كالانكليزية، محدودة الكلمات قياسا بالعربية، عن تقبّل العلوم والمعارف ولم تعبّر عنها بدقة؟، في شرحه للمثنى يقول الدكتور فاروق مواسي: “وقد جعلت العربية الضمير – الألف مشتركًا للمذكر والمؤنث، ففي قولنا (اِذهبا) فإننا نوجه الأمر للاثنين وكذلك للاثنتـين، بالإضافة إلى أن كلا من الضميرين – (هما) و (أنتما) مشتركان، ويلاحظ أن الألف هي دلالة التثنية في الضمائر. ويظل هذا الاشتراك كذلك في المضارع والماضي مع الحفاظ على علامة التأنيث – التاء – للمؤنث، فهما تذهبان وقد نجحتـا.
ولما أن كانت اللهجة المحكية قد ألغت هذه الصيغة واعتبرت الاثنين جماعة، فمحمد وأحمد سافروا، وسألتهم: تعبتو؟… وأنتم (للاثنين): تفضلوا ! فإن هذا التأثير أخذ يتسرب للفصيحة في السرد والحوار في روايات مختلفة، وكذلك في ما اصطلح عليه لغة المثقفين”9
طبعا لا نختلف مع أحد على دقة العربية وخصوصيتها. ولكن لا توجد لهجة عربية الآن تستخدم المثنى مع الفعل، وكذلك لا يتحدث شخص ما عن شخصين بصيغة المثنى كما أخبرنا الدكتور فاروق، وهنا قد يقول قائل: تريدون أن تنحدروا بالفصحى إلى مصافّ الدارجة. وفي الردّ عليه نقول: لماذا لا نقرّب بينهما، الفصحى والدارجة، بشيء قريب من حياتنا؟ فلا نقول في إسناد الضمير هما للفعل في الدارجة:
علي ومحمد ذهبا أو سَافَرا، بل نقول: محمد وعلي سافَروا
فاطمة وسعاد ذهبتا أو سَافَرَتا، بل نقول فاطمة وسعاد سافروا ونلغي حتى المؤنث
وفي إسناد الفعل للضمير أنتما لا نقول:
يا علي ويا محمد اذهبا أو سَافِرا، بل نقول: سافِروا
يا فاطمة ويا سعاد اذهبا أو سَافِرا، بل نقول: سافِروا
وهكذا نقترب من الدارجة ونتحدّث بأريحية لا تكلّف فيها، وهنا نلاحظ أنّ الاقتصار محصور بصيغة الجمع، وهذا حال الفعل الماضي، ناهيكم عن المضارع وخروجه عن المألوف، ومن هنا فمتعلّم اللغة قد يجد نفسه غريبا، وهو يتحدث الفصحى وكأنها بذلك لا تعبّر عن ذاتيته بدقة، وما اللغة إلا تعبير عن فكر وثقافة المتكلم…
فالمتعلم يجد من الصعوبة بمكان أن العربية تذهب به بعيدا في قواعدها ويضيع الطالب المسكين ويضيّع أوقاتا طويلة في حفظ وإجادة صيغة المثنى مع الأسماء التي تلزمها ألف ونون أو ياء ونون “كتابانِ، كتابين” وتلزم النون كسرة تحتها بالضرورة، وهذه النون كحرف العلة تحذف أحيانا وتبقى أحيانا طبقا لمكانها ومحل إعراب المثنى: كتابا أو كتابي الطالب، وهنا نعيد التذكير هل يستطيع متكلم اللغة العربية أن يتكلم ويعبّر عن التثنية بدقة وبفصحى بلا جهد جهيد؟، فكيف بالله عليكم إذا كان المتعلم غير ناطق بالعربية وسيتكلم عن موضوع مليء بالمثنى والمثنى المؤنث، ألا يحتاج ساعات وساعات لتعلّم المثنى ومن ثم يتعلم لفظه بشكل صحيح ودقيق، وبذلك نتفق مع ما ذهب إليه عبد المنعم أحمد صالح “فمتى ما علم السامع أنك تخاطب اثنين فلا مانع من استعمال صيغة الجمع فيما يعود على المثنى”10.
الجمل التي لا محل لها من الإعراب:
ثم نعرّج على مبحث مهم له كبير الأثر على حياة الطلبة وتشتيتهم أيّما تشتيت، ألا وهو موضوع الجمل التي لا محل لها من الإعراب، وهنا نسأل عن الهدف والغاية من هذا الموضوع والذي لا نرى فيه إلا تعقيدا وخاصة لغير المختصين. فماذا سيقدم لنا إعراب جملة لا محل لها من الإعراب؟ ولماذا نقف عندها؟ فما الغرض من الجملة الابتدائية وهي التي نبدأ بها الكلام وأمثلتها لاتُحصى:
الجامعة دار العلم والمعرفة، إنّ الجامعة دار العلم والمعرفة……..
أو الاستئنافية، وبدورها تُعّرف بـأنها التي يبتدأُ بها معنى جديدٌ بعد كلام سابق كالجملة الثانية والثالثة في قولنا:
(أَحزنتْك وشاية فلان، لا تلتفت إليها، إني لم أُصدقها).
وبالاستئناف عندنا أمثلة تكاد لا تحصى أيضا، فمن مستأنفة بعد الأدوات “و- ف – ث – حتى – بل” إلى مستأنفة جوابا للاستفهام أوالنداء أو جملة المستثنى بـ عدا وخلا وحاشا…
ثم ندرس جملة الصلة، وفي جملة الصلة يرى خليل عمايرة “إن الاسم الموصول، لإبهامه وعدم إشارته إلى مدلول بعينه، لا ينفك يحتاج إلى ما يأتي بعده…. وقد أدرك النحاة هذا الذي نذهب إليه، بقولهم: جملة الصلة لا محل لها من الإعراب، وذلك لأنها جاءت لتحديد الاسم قبلها ولتخصيصه”8 فلماذا الدراسة إن كان الهدف محصورا بتفسيرها أو توضيحها للاسم الموصول لا غير.
وجملة جواب القسم ومثالها: والله لأقولن الحق.
والتفسيرية: وهي بدورها جملة زائدة، ومثالها: هذا الولد مؤدب أي أخلاقه حميدة.
والواقعة جوابا لشرط غير جازم، ومثالها: لو زرتني لأكرمتك.
أو جازم غير مقترن بالفاء، ومثالها إن احترمتَ الكبار يحترمك الصغار.
والتابعة لجملة لا محل لها من الإعراب، ومثالها الباب مفتوح والنافذة مغلقة.
والمعترضة التي نراها مثالا مهما لبحثنا، ففي تعريفها: “أنها تأتي في أثناء الكلام – وليس المراد بالكلام هنا: المسند والمسند إليه فقط، بل جميع ما يتعلق به من الفضلات والتوابع – فاصلة بين متلازمين، سواء أكانا مفردين، أو كانا جملتين متصلتين معنى ، وذلك لإفادة الكلام تقوية، أو إيضاحا وبيانا، لنكتة سوى دفع الإيهام” 9
هي الجملة الواقعة بين عنصرين متلازمين يحتاج كل منهما للآخر، وأمثلتها جدّ كثيرة،
فمن معترضة بين الفعل فاعله:
شفي – والله – المريض،
والفعل المجهول ونائبه: كوفئ – وكنت أتوقع ذلك – الفائزون،
والفاعل والمفعول: شاهد عمر – وقد كان في المكان – السارقَ،
إلى المعترضة بين المبتدأ والخبر: رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خاتم الأنبياء، وكذلك بين اسم كان وخبرها، وبين اسم إن وخبرها، بالإضافة إلى الشرط وجوابه، وبين القسم وجوابه، وبين الحال وصاحبها، والقائمة تطول وتطول ولذلك أرفقنا لكم مثالا في نهاية البحث عن التعقيد في مجال القواعد.
طبعا هنا كالعادة قد يعترض على فكرتنا من يتعصب للغتنا ويرى نفسه منافحا ومدافعا وربما محبّا لها أكثر منا، ولكن ومن خلال تجربتنا المتواضعة في مجال التعليم قد نكون وقفنا عند كثير من قضايا ومحاور اللغة، ولكننا لم نقف عند هذا المحور ولم نشعر أننا بحاجة إليه وخاصة في مجال الترجمة وخصائص فهم اللغة، فمن يحتاج أن يدرس الجملة المعترضة طالما أنها تعبر عن نفسها بنفسها، أرجو منكم الرأفة بطلابنا فقد غلبهم اليأس ونحن نقعّد لغتنا ونصعبها وكأن الأستاذ الماهر الباهر من صعّب أسلوبه وعقده؟
وهنا يجب أن نذكّر بإشكاليات سندرسها مستقبلا إن شاء الله ومنها إضافة نون النسوة لتأنيث الكلمة، وطبعا مخاطبة معشر النسوة تكلّف لا محدود، ويستحيل أن لا يخطئ بالكلام من يتوجه بكلامه للنساء فقط، ومن الصعوبات إشكالية بعض الحركات وكذلك التفصيل الممل في الإعراب وكأن الطلاب جميعا مختصون باللغة العربية، إلى جانب الإشكاليات الصرفية غير المنتهية.
……..
مثال عن تعقيد القواعد لأبسط الجمل:
ـ الجملة الابتدائية:
ويقصد بها الجملة التي نبتدئ بها الكلام لفظا ، أو تقديرا، وسواء أكانت اسمية، أم فعلية.
فالاسمية نحو : محمد مجتهد .
221 ـ ومنه قوله تعالى : { إنَّا أعطيناك الكوثر }1 .
والفعلية نحو : يطوف المسلمون حول الكعبة .
222 ـ ومنه قوله تعالى: { تبت يدا أبي لهب وتب }2.
فكل من الجملتين السابقتين، وكذلك الآيتان المستشهد بهما، لا محل لها من الإعراب، لأنها جملة ابتدائية تؤدي معنى مستقلا، ولا يصح أن يحل محلها كلمة مفردة، وإلا ضاع المعنى .
ومثال الجملة الابتدائية التي يبتدأ بها الكلام تقديرا قول الأفوه الأودي :
بينما الناس على عليائها إذ هَوَوا في هُوّة فيها فغاروا
فلكون “بين” ظرف للفعل “هوى”، والتقدير: هوى الناس في هوة بينما هم على عليائها. فهي جملة ابتدائية، وإن كان قبلها جملة “الناس على عليائها”، لأنها أُخرت لفظا، وحقها التقديم في أول الكلام تقديرا.
ومنه قوله تعالى : { كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد رزقا }3 .
فلأن “كل” ظرف للفعل “وجد”، والتقدير: وجد زكريا عندها رزقا كلما دخل
ــــــــــ
1 ـ 1 الكوثر . 2 ـ 1 المسد.
3 ـ 37 آل عمران.
عليها المحراب . فجملة “وجد” ابتدائية، وإن كان قبلها في الطاهر جملة أخرى .
ثانيا ـ الجملة الواقعة بعد أدوات الابتداء ، وتشمل التالي:
1 ـ الحروف المكفوفة وهي: إنما، وأنما، وليتما، وكأنما، ولعلما، لكنما، وربّما، وكما.
نحو قوله تعلى: { إنما المؤمنون إخوة } 1 .
وقوله تعالى : { إنما أنت نذير } 2 .
وقوله تعالى : { وإنما أنا نذير مبين } 3 .
ومنه قول كثير :
أراني ولا كفران لله إنما أواخي من الأقوام كل بخيل
ونحو قوله تعالى: { يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد } 4 .
ونحو قول النابغة الذبياني:
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد
ومنه قوله تعالى : { فكأنما خر من السماء } 5 .
ومنه قول الشاعر:
كأنما ضربت قدام أعينها قطنا بمستحصد الأوتار محلوج
ومنه قول الفردزق :
أعد نظرا يا عبد قيس لعلما أضاءت لك النار الحمار المقيدا
ومنه قول امريء القيس :
ولكنما أسعى لمجد مؤثل وقد يدرك المجد المؤثل امثالي
وقول ساعدة بن جؤية :
ولكنما أهلي بواد أنيسه سباع تبغى الناس مثنى وموحدا
ـــــــــــــ
1 ـ 10 الحجرات. 2 ـ 12 هود.
3 ـ 50 العنكبوت. 4 ـ 5 فصلت.
5 ـ 31 الحج.
” ربما ” نحو: ربما الغائب يعود.
ومنه قوله تعالى: { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } 1 .
” كما ” اتصلت ما الزائدة بـ ” الكاف ” فمنعتها من العمل، والجملة بعدها ابتدائية لا محل لها من الإعراب. نحو: الشهادة خير الكلام كما الصلاة عمود الدين.
2 ـ ” إذا ” الفجائية: نحو: خرجت فإذا السماء تمطر.
ومنه قوله تعالى: { فإذا هي حية تسعى } 2.
وقوله تعالى: { ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين } 3 .
3 ـ أمّأ، وبل، ولكن، وهل، وما النافية غير الحجازية “التي لا عمل لها”، وبينا، وبينما، وإلاّ الاستثنائية .
وإليك أمثلتها على التوالي:
” أمّأ ” قال تعالى : { فأمّا الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم }4 .
ومنه قول سبيع بن الخطيم :
أمّا إذا ضاقت فإن مصيرها هضب القليب فعردت فأقوف
و”أمّا” هنا حرف شرط غير جازم وتفصيل وتوكيد، وتلزم الفاء جوابها كثيرا .
” بل ” نحو قوله تعالى : { بل تؤثرون الحياة الدنيا } 5 .
وقوله تعالى : { أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق }6 .
و” بل ” حرف ابتداء يفيد الإضراب .
” لكن ” المخففة من الثقيلة لا عمل لها، وهي حرف استدراك إذا سبقها نفي وتدخل على الجمل الفعلية والاسمية، مثال الفعلية:
قوله تعالى : { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } 7 .
ــــــــــــــ
1 ـ 2 الحجر . 2 ـ 20 طه.
3 ـ 108 الأعراف. 4 ـ 26 البقرة .
5 ـ 14 الأعلى . 6 ـ 70 المنافقون .
7 ـ 118 النحل .
ومنه قول العجير السلوسي :
ولكن ستبكي خطوب كثيرة وشعت أهينوا في المجالس جوع
ومثال دخولها على الجمل الاسمية وهي عنئذ ابتدائية لمجرد إفادة الاستدراك.
قوله تعالى : { لكن الراسخون في العلم منهم } 1 .
ومنه قول زهير :
إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره لكن وقائعه في الحرب تنتظر
” هل” وهي حرف استفهام مبني على السكون لا محل له من الإعراب ولا يعمل فيما بعده، ويختص بالتصديق والإيجاب، ويفيد معرفة مضمون الجملة ن ويدخل على الأفعال، والأسماء.
نحو قوله تعالى: { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } 2 .
ومنه قول عنترة :
هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم
ومثال دخولها على الأسماء قول الحارث بن حلزة :
أيها الناطق المُرَقِّش عنا عند عمرو وهل لذاك فداء
وقوله :
كتكاليف قومنا إذ غزا المنذ ر هل نحن لابن هند رِعاء
ومنه قول امرئ القيس :
وإن شفائي عبرة مهراقة فهل عند رسم دارس من مُعَوَّل
” ما” النافية غير العاملة، وتختص بالدخول على الأفعال، وتعرف بالتميمية، أو غير الحجازية (لأن ما الحجازية تعمل عمل ليس) .
نحو قوله تعالى: { قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي }3.
ـــــــــــ
1 ـ 162 النساء. 2 ـ 1 الإنسان.
3 ـ 15 يونس.
ومنه قول عمر بن أبي ربيعة :
وما راعني إلا مناد ترحلوا وقد لاح مفتوق من الصبح أشقرا
مثال ” بينا ” قال الأفوه الأودي :
فبينا نحن نرقبه أتانا معلق فضة وزنا ذراعي
مثال ” بينما ” قوله أيضا :
بينما الناس على عليائها إذ هو وافي هوة فيها فغاروا
ثالثا ـ الجملة الواقعة بعد أدوات التحضيض :
وهي: هلاّ، ولوما، ولولا غير الشرطية إذا تلاهما فعل مضارع.
نحو: هلاّ تساعدنَّ المحتاج.
وهي تفيد التوبيخ إلى جانب التحضيض أذا دخلت على الفعل الماضي كقول عنترة :
هلاّ سألتِ الخيل يا بنة مالك أن كنت جاهلة بما لا تعلمِ
ونحو قوله تعالى: { لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين } 1.
ونحو قوله تعالى: { لولا تستغفرون الله } 2.
…………………..
الـخــــــلاصـــــــة
يبذل اللغويون وخبراء المعلوماتية جهودا كبيرة كل في مجاله، وقد أدى تضافر الجهود في مجال المعالجة الآلية للغات الطبيعية إلى إيجاد أرضية مشتركة بين المدرستين، وقد أدى ذلك إلى تحسين مستوى النصوص المنتجة بصفة آلية.
إن العمل على تحسين مردود نظم المعالجة الآلية المكرسة للغة العربية على اختلاف مشاربها مسألة حتمية بالنسبة لنا، وإن لم نقم نحن بهذه المهمة سيقوم بها غيرنا وبالتالي سنفوت على أنفسنا فرصة ثمينة للتحكم في هذه التقانات المتقدمة والتي تستوجب منا جهودا مضنية في جميع التخصصات المرتبطة بهذا التخصص. ويبقى هذا السبيل الوحيد الذي سيسمح للغة العربية بتبوء المكانة التي تجدر بها في عصر المعلومات.
ما قدمناه لا يعدو كونه إشارات سريعة قد لا تفي بالغرض لكن الهدف منها
هو التيسير والبعد عن التعقيد، وليس رفضا ولا إقصاء لأي مكوّن بقدر ما هو
محاولة لتقريب وجهات النظر بيننا، وإعادة اللغة العربية إلى فطرتنا، في وقت
أصبحنا نستخدمها في المجالات الرسمية وفي المساجد لا أكثر، ولن نصل
للمبتغى طالما أننا نرى اللغة شيئا مقدسا لا يمكن المساس به.
[1] اللغة العربية والحاسوب :لـ د. نبيل علي صفحة 201
[2] مباحث لغوية في تفسير» الكشاف« : التراث الأدبی السنة الأولی العدد الثانی- سعيد النجفي * – شفيع برهاني**
[3] الترجمة الآلية بمقاربة إحصائية :رسالة ماجستير – وفاء بن التركي : المعهد العالي العربي للترجمة -2011.
مفهوم الأنتولوجيات[4]
http://mondeca.wordpress.com/2009/12/07/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%AA%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9/
[5] الترجمة الآلية بمقاربة إحصائية :رسالة ماجستير – وفاء بن التركي :المعهد العالي العربي للترجمة -2011.
[6] الترجمة الآلية بمقاربة إحصائية :رسالة ماجستير – وفاء بن التركي : المعهد العالي العربي للترجمة -2011.
[7] : ar.wikipedia.org/wiki/ازدواجية_لغوية